محمد حمد الصويغ

يقول أحد شعراء الحداثة «لا علاقة للغنائية بالوزن، ولا علاقة لها بالقافية، ولا علاقة لها بالكلمة المنمقة، فهذه كلها تفاصيل خارجية، الغنائية الشعرية تناغم داخلي، تناغم الجسد والروح، تناغم العروق والدماء والأعصاب، تناغم جواني يفيض بالفرح والامتلاء، ويتخذ الكلمة جسدا له، وبعدما يتجسد بالكلمة يتحقق التناغم مع الكون، الغنائية الشعرية تناغم داخلي، يتناغم مع الكون» وهو تلاعب بالألفاظ عجيب، فكيف يكون الغناء خارج الإطار الوزني في القصيدة؟ ثم كيف لا تكون هناك علاقة جذرية قوية بين الوزن والقافية في إطار القصيدة «المنغمة»؟ وبالتالي كيف لا تكون هناك علاقة بين الكلمة الموسيقية والغناء؟

كلام عجيب ما قاله هذا الرجل «الشاعر» والأعجب من هذا محاولته الفصل بين «تناغم القصيدة» الداخلي وتناغمها الخارجي، ليصل في النهاية إلى ما سماه «بالتناغم مع الكون» مع أنه لم يوضح أن كان هذا التناغم الجديد له علاقة بالتناغم الداخلي للقصيدة، أو أن علاقته محصورة بالتناغم الخارجي، وأن العلاقة تمس التناغمين معا، وإليكم جزء آخر من «هوس» هذا الشاعر حيث يقول «إن القصيدة الغنائية كونية، وإلى هذا المعنى من الغنائية تتجه تجربتي الشعرية من البداية حتى هذه اللحظة، وعلى هذا الأساس تبدو قصيدتي جزيرة بعيدة، جزيرة وحيدة وموحشة في تيار المرحلة التحويلية».

ويقصد بالمرحلة التحويلية انتقاله من كتابة القصيدة العمودية وشعر التفعيلة الى كتابة «القصيدة الحداثية» وهو تحويل أو تحول أدى إلى عزلته تماما، حيث تعيش قصائده كما يقول في جزيرة بعيدة ووحيدة وموحشة، وأجمل ما في هذا الشاعر أنه قال الحقيقة التي يجب أن تقال، فما دامت «تجربته الشعرية» خالية من الوزن ومن الإيقاع ومن «التنغيم» أي من الموسيقى الداخلية، بمعنى أنها خالية من الشعر فحري بها والحالة هذه أن تعيش في جزيرة مقفرة بعيدة وموحشة.