سعود القصيبي

دشن في الخبر منذ أيام أهالي الخبر القدامى موقعا إلكترونيا يعد الأول من نوعه على مستوى المملكة «خارطة ذكريات الخبر». الخبر تلك المدينة الفتية والتي دوما تأتي سباقة لغيرها من المدن قررت ألا تنسى بدايات نشأتها ومن سكنها من الأحبة والصحاب ومن الذين أثروا عالمها فشكلوا لوحة جميلة تفوقت بها على الكثير من المدن. هذه المبادرة التي قام بها خمسة من أهالي الخبر ومحبيها جاءت لتعبر وتؤكد ذاك السبق والذي عهدناه عليها. فتجد في موقعهم التفاعلي الذي أسسوه بجهود ذاتية خريطة الخبر ومعالمها وإشارات وصور منازل أهلها القديمة وسكانها ومتاجرهم مخلدة ذكرياتهم من توثيق للتراث الإنساني. ورغم توسع المدينة العمراني وهجرة أغلب سكانها الأوائل لمنازلهم الأولى إلى أحياء جديدة، إلا أن ذكرى البدايات لا تزال متأصلة في أبنائها من التكافل والتآزر والتجاور الوثيق.

ومدينة الخبر هي أول مدينة سعودية نظمت وأسست بشكل عصري وحديث في المملكة. ففيها جاءت أولى شبكات المياه الحديثة والمطافئ والصرف الصحي والهاتف. كما كان فيها أولى المدارس النموذجية وأوائل المستشفيات الحديثة. وكان فيها أول ناد لممارسة رياضة الخيل لا سيما عن أوائل الملاعب الرياضية المختلفة كذلك المباريات والبطولات لكرة القدم، كما أيضا كان فيها أوائل المسارح والحدائق العامة والطرق المعبدة. كما كان بالخبر أول معاهد التأهيل والتدريب الفني وللصناعات الإلكترونية. كما أن من فخر المدينة أن شهدت عبر مينائها «فرضة الخبر» أوائل صادرات النفط السعودي وقبل ميناء رأس تنورة.

ولا ننسى في ذلك جارتها الظهران المتصلة بها حيث سكن موظفي شركة النفط ومكاتبها. ففيها جاءت أول محطة تلفزيون ومحطة راديو في المملكة ومحطة كهرباء، وأول معهد تدريب قيادة للمركبات وأول محطة بنزين. كذلك أول جامعة سعودية فنية وباللغة الإنجليزية، وأول مطار جوي حديث حتى أن رسم مبناه كان يوضع على العملة السعودية من الفخر.

بدأت هذه المدينة الفتية انطلاقتها في زمن ما بعد انهيار صناعة اللؤلؤ في الخليج مباشرة وبعد ما يعرف بالطبعة والتي غرق بها عدد كبير من مراكب اللؤلؤ. أتى سكانها الأوائل من الرواد بحثا عن روح جديدة لعالمهم الذي كان دوما متصلا بالبحر. ففي الخبر عدة ينابيع مياه حلوة تجري إلى البحر على غرار تلك التي بالقرب من الشواطئ وفي البحر. كذلك بعض مرابي الأسماك والروبيان ووفرة الشعاب المرجانية بالإضافة إلى قربها لبعض أماكن اللؤلؤ الأمر الذي أهلها للمعيشة مع توفر تلك الينابيع من المياه الحلوة للسكن.

أسست المدينة سنة 1923م بشكل بيوت من سعف النخيل يسميها الأهالي «بركسيات» بعد أن كانت خالية من السكان، بها نخل متفرق هنا وهناك وقبل فترة اكتشاف النفط مباشرة. وما لبثت المدينة عقب اكتشاف النفط في الظهران في الثلاثينيات الميلادية أن طورت وخططت على نمط المدن الأمريكية الكبرى لتصبح المدينة التجارية للظهران وسكن موظفيها السعوديين. كما أصبح ميناؤها وسيلة النقل والمواصلات البحرية الأولى للمنطقة الشرقية وإلى دولة البحرين الذي لا يبعده عنها سوى 21 كيلومترا، ولا تزال، حيث أقيم بالخبر الجسر الذي يصل إلى دولة البحرين والذي شهد تطورا بالغا في عدد مسافريه ذهابا وإيابا.

يمثل مجتمع مدينة الخبر استمرارا لتلك التجارة الأولى من اللؤلؤ ومنتجات النخيل وإلى الحداثة من صناعة البترول وتقنياته. كما أنه يأتي مزهوا بمختلف أطياف المجتمع العام المتأثر بمحيطه الخليجي. ومن المعروف عن سكان الخبر انفتاحهم للعالم الخارجي المبكر فمن مشاهدها كثرة الناطقين بها باللغة الإنجليزية لا سيما من حملة التعليم العالي. ولعل ما يميز المدينة أهلها فعطاؤهم وبذلهم لا محدود ودوما من الرواد وفي الطليعة كما شاهدنا من خلال مبادرة «خارطة ذكريات الخبر».

ونوجه من خلال مقالنا هذا الشكر العميق وخالص الأمنيات إلى هؤلاء الخمسة الرواد على هذه المبادرة الطيبة واللفتة الكريمة والعمل المبارك فهم يستحقون الشكر والثناء من حبهم للعطاء وعمل الخير ومن توثيق وتأصيل للتراث الإنساني الممثل بتاريخ مدينة الخبر.

@SaudAlgosaibi