اليوم - الدمام

غيب الموت أمس الشاعر والأديب والمثقف والمفكر عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس، عن عمر يناهز «92 عاما»، بعد رحلة حافلة أثرى خلالها الحركة الأدبية والثقافية، وأديت الصلاة عليه عصر أمس الأربعاء في جامع الراجحي وقد ووري جثمانه الثرى في مقبرة النسيم بالرياض.

رحل القامة والرمز الوطني، تاركا خلفه أثرا خالدا سيظل محفورا في ذاكرة الوطن، تجسد في شعره الذي كان بمثابة أصداء لهموم الأمة العربية والإسلامية، واستشراف وتطلّع لما يجب أن يتحقق أمام تآمر الدوائر ضد الأمة الإسلامية.

قدم الراحل خلال مسيرته عددا من البرامج الثقافية والتربوية بالإذاعة السعودية وتقلد مناصب عدة في العمل الحكومي وترأس تحرير عدد من المطبوعات.

النشأة والتعليم.. والانتقال إلى الرياض

دور ريادي في النهضة الثقافية.. وحضور عالمي

ولد عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس، في بلدة حرمة 1347هـ - 1929م وتلقى تعليمه ودراسته في بلدته، ثم انتقل إلى الرياض سنة 1366هـ لطلب العلم على أكابر علمائها، شغل بعدها منصب مدرس للعلوم الدينية وقواعد اللغة العربية في المدرسة الفيصلية بالرياض، والتحق بعدها بالمعهد العلمي بالرياض ليدرس فيه، ثم تخرج بعدها في كلية الشريعة بالرياض كأول دفعة.

تدرج في الوظائف وعمل مديرا مساعدا للتعليم الثانوي، ومديرا للتعليم الفني، ثم رئيس تحرير لصحيفة الدعوة، التي صدر عددها الأول في محرم 1385هـ، وفي ذات الأثناء عمل كمدير عام لمؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية، وكان أول صحفي سعودي يجمع بين هذين العملين معا.

عاد إلى السلك التعليمي كأمين عام للمجلس الأعلى للعلوم والفنون والآداب، بعد 8 سنوات من العمل الصحفي، ثم انتقل بعدها إلى جامعة الإمام محمد بن سعود كأمين عام، ثم مدير للبعثات والدراسات العليا، وشغل منصب مدير عام الثقافة والنشر العلمي وعضو في المجلس العلمي للجامعة حتى تقاعد في عام 1409هـ.

مثَّل المملكة في عدد من المناسبات والمهرجانات في مختلف دول العالم، منها مهرجان أبي فراس الحمداني في حلب بسوريا، مؤتمر «الأدباء العرب العاشر» و«مهرجان الشعر الثاني عشر» في الجزائر، مهرجانات عبدالعزيز البابطين الشعرية في كل من الكويت، مصر، لبنان، ليبيا، الجزائر، وإيران، ومهرجان «المربد» في العراق لمدة 6 سنوات متوالية، كان مع الوفد الصحفي المرافق للملك فيصل -رحمه الله- في مؤتمر القمة العربي الثالث في المغرب، إضافة لتمثيله المملكة في مهرجان رابطة الأدب الإسلامي العالمية في تركيا.

منحه مؤتمر الأدباء السعوديين الأول وسام الريادة والنوط الذهبي عن كتابه «شعراء نجد المعاصرون»، وكرمته وزارة الثقافة والإعلام في المؤتمر الإعلامي الأول، وذلك لدوره الريادي في نهضة الصحافة والطباعة في المملكة، وحصل على ميدالية رواد المؤلفين السعوديين في معرض الرياض الدولي للكتاب، وكرمه الأمير خالد الفيصل ضمن شعراء المملكة والخليج العربي، وتم تكريمه في المهرجان الوطني الخامس والعشرين للتراث والثقافة «الجنادرية»، وذلك بوسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، وحصل على وسام تكريم وميدالية من مجلس التعاون الخليجي في مسقط، كما حصل على وسام الشرف الفرنسي بدرجة «فارس»، إضافة لوسام الثقافة من تونس، وشهادة تكريم في مناسبة الاحتفاء برواد العمل الاجتماعي من دول الخليج من أمير دولة البحرين الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، فاز بجائزة الشعر التي أعلنتها هيئة الإذاعة البريطانية «لندن» على قصيدته «يا وليد العلم» كما فاز بجائزة إذاعة «صوت العرب» من القاهرة على قصيدته عن الجزائر «1956م».

حمل ابن إدريس عضويات في العديد من المؤسسات الثقافية منها: عضو مجلس إدارة «دارة الملك عبدالعزيز» عند تأسيسها ولمدة 12 عاما، وعضو هيئة تحرير «مجلة الدارة» منذ إنشائها حتى الآن، وعضو المجلس العلمي لجامعة الإمام حتى تقاعده وعضو مجلس إدارة «مؤسسة الدعوة الصحفية» منذ إنشائها ولا يزال عضو الجمعية العمومية لمؤسسة عسير للصحافة جريدة «الوطن» وعضو شرف «رابطة الأدب الإسلامي العالمية» وعضو شرف «رابطة الأدب الحديث» في مصر.

يعد ابن إدريس أحد المؤسسين الأوائل للنادي الأدبي بالرياض وشغل في عام 1401هـ رئيسا للنادي، وبحكم خبرته الصحفية أصدر عن النادي مجلة القوافل الفصلية، والمجلة الأدبية الشهرية وكان رئيس تحرير لهما، كما شارك في تأليف مقررات اللغة العربية للمرحلة الثانوية في المملكة مع مجموعة من أساتذة جامعة الملك سعود، وصدرت عنه العديد من البحوث والدراسات الأكاديمية والصحفية في عدد من الجامعات والصحف والمجلات الثقافية، وقدم عددا من البرامج الثقافية والتربوية من الإذاعة السعودية، وأجري معه عدد من الحوارات الإذاعية والتليفزيونية والصحفية.

بحوث ودراسات أكاديمية وصحفية

ربط منهجي بين الفكر واللغة في نثره وشعره

قيل عن شعر ابن إدريس إنه سبق زمنه على مستوى التجديد، وإنه أجاد فيه بطريقة تجعله قابلا للقراءة خارج الزمن، كما ينعكس الربط المنهجي بين الفكر واللغة بصورة مباشرة على نثره وشعره وأثرى بهما حياة الثقافة العربية.

قصيدة «مع الليل»:

يا ليلُ فيك تأوّهــي وزفيري.. ووميضُ أحلامي ونبعُ شعوري

يا ليلُ فكري في خضمّك شارد... أبدًا يطوفُ بكونــك المستورِ

ألحظي المنكود أرسل زفرتي.. ويموجُ قلبي في لظًـى وسعيرِ؟

أم قسوة الحلك الرهيب يلفّ في... جلبابه ألقَ الضيــــا والنورِ

قصيدة «المؤذن ابن ماجد حين بكى»

كتبها بعد هدم الجامع الكبير القديم لتجديده

ألقاها في جلسة ضمّت سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز -رحمه الله- والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، وبدا عليهما التأثر والحزن، يقول مطلعها:

وطنتُ نفسي أن أراه مهيلا... بدل الشموخِ ولم يعد مأهولا

نفسي ونفسُك يا أجلّ مواقعي... همّان في همٍّ, يبيتُ شكــولا

يترنّم الماضي الحفيّ بروحنا... أبدًا ويذكرُ فضلَك المبــذولا

قالوا غدًا للفجر تصدحُ بالندا.. وتلمّ عفشَك راحلًا موصـول