د. عبدالله محمد القرني

من المعلوم أن عمليات التصنيع تقوم على أساس تصميم خطوط إنتاج تعمل وفقاً لمبدأ الإنتاج بالجملة (Mass Production) ومن القيود الرئيسية لهذه الطريقة هي أن المنتج يتم تصنيعه بناء على قوالب ثابتة مصممة خصيصاً لمنتج معين بمواصفات وقياسات محددة مما يصعّب من عملية التعديل على المنتج لتوفير طلبات خاصة تحقق رغبات خاصة لبعض العملاء. ولكن نتيجة للتقدم التكنولوجي الكبير الذي أحدثته الثورة الصناعية الرابعة في مجال التقنيات الرقمية والتطبيقات الحاسوبية، وربط العديد من العمليات الصناعية بالحاسب الآلي ظهرت لنا تقنية جديدة تُعرف بالصناعة بالإضافة (Additive Manufacturing) أو ما يسمى اصطلاحاً بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد (3D Printing) وتضمنت حلولاً رائعة لمشكلة الإنتاج بالطلب.

وقد ظهرت هذه التقنية في ثمانينيات القرن الماضي وذلك عندما حصل الياباني هيديو كوداما في عام 1981م على براءة اختراع تقنية الطباعة الثلاثية، حين قام بتصنيع العديد من الأشكال المعقدة من خلال آليات تعمل على تصلب البوليمرات الضوئية بالاعتماد على الأشعة فوق البنفسجية ويستخدم هذه النوع من الطابعات في الصناعة البلاستيكية وهو الأكثر انتشاراً، ثم تطورت هذه التقنية سريعاً وصولاً للعام 1989م والذي تمكنت فيه شركة EOS Gmbh الألمانية وبفضل استخدام تقنية أشعة الليزر من تصنيع منتجات معدنية مكتملة، وهذا هو النوع الثاني من الطابعات الثلاثية وقد تم توظيفه مؤخراً في الصناعات الثقيلة مثل صناعات أجزاء التربينات الغازية.

والجدير بالذكر أن هذه التقنية تقوم على أساس تصميم نموذج رقمي للمنتج المراد تصنيعيه بواسطة برامج حاسوبية خاصة بحيث يتم تصميم المنتج على شكل طبقات أو شرائح تضاف الواحدة تلو الأخرى بطريقة متتالية حتى يكتمل بناء المنتج ويظهر بشكل ثلاثي الأبعاد وفقاً للقياسات المطلوبة، وبعد اكتمال التصميم ثلاثي الأبعاد في الحساب الآلي يأتي دور جهاز الطابعة الثلاثية بحيث تقوم ومن خلال أوامر محددة بإذابة المادة الخام ونفثها لبناء المنتج طبقة تلو الأخرى ومن هنا جاء مصطلح الصناعة بالإضافة، وما يميز هذه الطريقة أنها سهلت عملية تصنيع المنتجات المعقدة بالإضافة إلى أنها كانت حلاً رائعاً للإنتاج حسب الطلب وتلبية حاجات أكثر فئة ممكنة من المستخدمين وأصحاب المتطلبات الخاصة.

وتمتاز هذه التقنية أيضاً بانها وفرت التكاليف المالية ذات العلاقة بتصميم وتصنيع واختبار القوالب المستخدمة في خطوط الإنتاج التقليدية للتأكد من جودتها، وذلك من خلال استبدالها بالنماذج الرقمية الحاسوبية والتي يسهل التعامل معها من خلال التعديل والتطوير وإعادة التصميم دون الحاجة لدفع تكاليف مادية إضافية بالإضافة إلى الوفر المتحقق في التكاليف المتعلقة باختصار زمن عملية التصنيع نفسها.

وقد شهدت السنوات الأخيرة تناميا متسارعا وانتشارا كبيرا في استخدام هذه التقنية وذلك بعد زوال المشاكل المتعلقة بحظر الاستخدام بسبب حقوق الملكية الفردية مما أدى إلى انخفاض تكلفتها وسهل دخولها في تطبيقات كثيرة في الصناعات الطبية كصناعة قوالب الأسنان والحشوات، كما أن الأبحاث الطبية الحالية تقوم بدراسة إمكانية استخدامها في التطبيقات الحيوية الأخرى مثل صناعة الهياكل العظمية والمفاصل والغضاريف والأطراف الصناعية وغيرها بهدف زراعتها في جسم الإنسان، ومن تطبيقات هذه التقنية استخدامها في مجال البناء والتشييد حيث أعلن برنامجا الإسكان وتطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية في المملكة منذ حوالي ثلاثة أعوام عن نجاح تجربة بناء أول منزل باستخدام تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد في الشرق الأوسط في مدة لا تتجاوز الخمسة أيام، كما يمكن الاستفادة من هذه التقنية في العديد من الصناعات الاستهلاكية والعسكرية الأخرى.

ختاماً فإن تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد أو الصناعة بالإضافة تعتبر من التقنيات الواعدة حيث تشير توقعات مؤسسة استسيا (statista) المتخصصة في أبحاث الأسواق إلى أن حجم الطلب العالمي المتوقع على الطابعات الثلاثية والمواد والخدمات المرتبطة بها سيصل إلى حوالي 50 مليار دولار بحلول العام 2025م.

@abolubna95