واس - الرياض

«اعلموا أن العلم بلا عمل كشجرة بلا ثمر، وأن العلم كما يكون عونا لصاحبه يكون عونا عليه، فمن عمل به كان عونا له، ومن لم يعمل به كان عونا عليه، وليس من يعلم كمن لا يعلم، قليل من العلم يبارك فيه خير من كثير لا يبارك فيه والبركة في العلم. المدنية الصحيحة هي التقدم والرقي، والتقدم لا يكون إلا بالعلم والعمل»، مقولات للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - تدل على مدى عنايته واهتمامه بالعلم والمعرفة، لمعرفته أن الأمم والحضارات تنهض بهما، ولا سبيل لتحقيق ذلك إلا بالتسلح بالعلم.

ولما دخلت الحجاز عام 1344هـ تحت حكم الملك عبدالعزيز، كما أفاد بذلك مدير مركز تاريخ مكة المكرمة د. فواز الدهاس، كان أول ما اهتم به بعد استتباب الأمن هو التعليم، فالتقى علماء مكة وتشاور معهم في الوسائل التي تخدم نشر التعليم وتدعمه، وأعلن إنشاء مديرية المعارف في 1/9/1344هـ/ 1925م، ومنذ ذلك الحين بدأ اهتمام الدولة بنشر التعليم الحديث في مناطق المملكة، وشكل مجلس المعارف برئاسة مدير المعارف ليشرف على السياسة التعليمية، وبذلك عرفت البلاد لأول مرة نظام التعليم بالمعنى الحديث الذي يستهدف توحيد التعليم للمواطنين ويقرر شموليته وتعميمه.

وشهدت مكة المكرمة كما يذكر د. محمد السلمان في كتابه «التعليم في عهد الملك عبدالعزيز»، إنشاء أول مدرسة ابتدائية في التعليم الحكومي الحديث وهي مدرسة الملك عبدالعزيز «العزيزية»، التي أنشئت عام 1345هـ، وفي العام نفسه افتتحت المدرسة السعودية والفيصلية والمحمدية، وفي المدينة المنورة تعد المدرسة المنصورية والمدرسة الناصرية اللتان أنشئتا عام 1344هـ هما أولى المدارس الحكومية في المدينة المنورة، فيما تعد مدرسة الأمراء بالرياض التي بدأت فكرتها عام 1349هـ، ومارست نشاطها 1356هـ أولى المدارس الحكومية، وكانت خاصة بأبناء الملك عبدالعزيز، أما أول مدرسة للأهالي في الرياض فقيل هي مدرسة «ولي العهد» التي افتتحت في حدود عام 1356هـ- 1937م، وتوالت المدارس الابتدائية تفتح في بقية مناطق المملكة.

وفي عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- كان يطلق اسم المدارس الثانوية على كل المدارس لما فوق المرحلة الابتدائية، إذ لم تكن توجد مرحلة متوسطة حينذاك، والتعليم الثانوي لم يكن يقتصر على التعليم الحكومي فحسب؛ بل وُجد في بعض مدارس التعليم الأهلي، ومن أمثلتها: المدرسة الصولتية ومدرسة دار العلوم الدينية في مكة، ومدارس الفلاح في مكة وجدة.

ويعد المعهد العلمي السعودي في مكة المكرمة ثم المدينة المنورة نواة التعليم الثانوي بالمملكة، وقد افتتح عام 1345هـ/1926م، وهو أول مدرسة ثانوية تنشأ في المملكة بشكل رسمي، وقد كان له أثر كبير على تطوير التعليم في المملكة.

وفي عام 1355هـ، صدر نظام البعثات، فالملك عبدالعزيز بنظرته البعيدة أراد لأبناء الوطن أن يتسلحوا بالعلم والمعرفة في التخصصات التي كانت غير متوافرة في الوطن، فتم ابتعاث الشباب المتميزين والمتفوقين، وفتحت مدرسة تحضير البعثات التي أنشئت عام 1355هـ/1936م آفاق الابتعاث الحكومي، وبعد تزايد عدد خريجي المرحلة الثانوية في المملكة، بدت الحاجة ملحة لانتقال البلاد نحو افتتاح المرحلة الجامعية، خاصة أن نظام البعثات يكلف الدولة كثيرا، إضافة إلى كونه لا يصلح أن يكون نظاما عاما، فجاءت موافقة الملك عبدالعزيز على إنشاء كلية الشريعة بمكة المكرمة عام 1369هـ، وبذلك دخلت المملكة عهد المرحلة الجامعية.