سالم اليامي

عشت في بلدان شمال أفريقيا ما يقرب من عقد من الزمن، وفهمت الخطاب اللغوي اليومي بمعنى الاستيعاب وإدراك الدلالة، وبقيت في مرتبة أقل من حيث استخدام ذلك الخطاب. ومن الجمل القصيرة والمركزة الدلالة، والتعبير لدى الأشقاء في دول المغرب العربي ما يستخدمونه للإشارة إلى أن الموضوع منزوع الدسم، أو عديم الفائدة في تعبير خفيف، وسريع لا يتجاوز كلمتين هما «حكاية فارغة» البعض وخاصة في الأحاديث اليومية بين الناس يسرف في استخدام هذا التعبير حتى ليعطي صورة للمتلقي أنه غير مكترث بشيء في هذه الحياة، فكل شيء لديه بدون فائدة، وغير ذات جدوى، والبعض يستخدم العبارة في الأوضاع، والدلالات الضمنية المناسبة، فتأتي معبرة، وكاشفة عن كثير من المقاصد.

أتذكر ذلك كله على خلفية الحدث، الذي شَغَل الإعلام في المنطقة، وفي العالم على مدى أسبوع تقريباً، وأعني به هروب ستة من المساجين الأسرى الفلسطينيين من أحد سجون الاحتلال الإسرائيلي، وأقف هنا عند المعالجة الإعلامية للحدث، وأهم من ذلك عند ما تعكسه قوة الموقف الفلسطيني العربي في واقع الصراع مع إسرائيل. ففيما يتعلق بالجانب الإعلامي نجد أنَّ القنوات العربية، والمتحدثين العرب والفلسطينيين فيها وصفوا العملية بالهروب إلى الحرية!! وتغنوا بصبر الهاربين، وقوتهم، وفكرهم النير، الذي هداهم إلى استخدام ملعقة طعام لحفر نفق يزيد طوله على عشرة أمتار! وفي الجانب المقابل، حاول البعض تسليط الضوء على قوات الأمن الإسرائيلية وقدرة الإنسان العربي، الفلسطيني على تحديها. من سوء الطالع أن حتى هذا الخطاب غير المتزن، الذي لا يقف على أرضية صلبة لم يطل به الوقت، حيث بدأت الأخبار تتوارد بعد أربعة، أو خمسة أيام عن إلقاء القبض على الأسرى الهاربين، وتمت إعادتهم، أو على الأقل مَنْ تم اعتقاله من قبل الجانب الإسرائيلي إلى زنازين القوة المحتلة. وكما يقال في الحياة، وفي الإعلام أن الخطاب الأعوج، في الغالب يظل أعوجاً. استمرت بعض المنابر الإعلامية في استخدام النبرة العالية المملوءة بالفراغ، وكانت أول التصريحات هي تحميل الكيان المحتل المسؤولية عن سلامة الأسرى المعاد اعتقالهم، والمطالبة بظروف اعتقال تتناغم مع المعايير الإنسانية الدولية. بعبارة أخرى كان الطرف العربي بشقيه الفلسطيني المباشر سلطة وما يسمى بمعارضة، أو مقاومة والجانب العربي العريض المتمثل بالصوت الإعلامي العالي، مثل مَنْ لا يرفضون التعذيب ولكن يقبلون بحصص مقننة من الألم. حادثة الهروب، ومن ثم اعتقال الهاربين من جديد تكشف عن وجه جديد للصراع العربي الإسرائيلي وهو كما نعتقد الإقرار بالسلطة التي يمارسها المحتل، وفي ظل هذا الواقع البحث عن مكان ذي ظل يمكن أنْ يكون أفضل من المواقع الأخرى المكشوفة، بعبارة أخرى حادثة عابرة لا يمكن أن يقال عنها إنها تحمل حكاية، أياً كانت تلك الحكاية، كما أنها لم تك تحمل بعداً ولو رمزياً في موقف الهاربين، ولا في مواقف مَنْ كانوا ينتظرونهم خارج السجن، حيث بقي الرجال مشردين في العراء، دون أن يستقبلهم أحد، ومغامرة غير مأمونة تكشف أنَّ كثيرا من قواعد اللعبة قد تغير بين مَنْ يمارس الاحتلال، ومَنْ يمارس في حقه ذلك الاحتلال، والله المستعان.

@salemalyami