سعود القصيبي

ليس من الغريب أن نسمع بين فترة وأخرى عن آثار مكتشفة فالجزيرة العربية تزخر بدلائل بدايات الحضارة بل ومن أقدمها. فالإنسان طور علومه وقدراته ومنذ خروجه من سكن الكهوف إلى سكنه وبناء المنازل. وإلى تعلم أساليب الزراعة بالاكتشاف والتجربة وكذلك تهجين الحيوان واستخدامه. ولعلها من حكمة الله عز وجل أن سخر لنا البر والبحر ليستمر الاكتشاف والتنقل والتعلم والتكيف مع ظروف معيشة مختلفة. إلا أنه ومن خلال ما يعثر عليه من فترة وأخرى نتعلم عما قد مضى وقبل أن يسطر قلم أو ينقش وسم بصخر لندرك أننا وعبر آلاف السنين أساس للتطور البشري وأحد أعمدته ومكتشفات جبل بريقا بالأحساء أحدها.

جبل بريقا بالأحساء هو أحد جبالها الشهيرة ويمتد من الشمال إلى الجنوب بطول 20 كم على الحافة الشرقية للواحة الشمالية، وبعرض 4 كم، وينقسم إلى قسمين (شمالي وجنوبي)، ويبلغ ارتفاعه 246 م فوق سطح البحر. ويختلط البعض بين جبل بريقا والشعبة إلا أن التسمية بجبل الشعبة هو لأحد أجزائه والذي عمل به متنزه مؤخرا.

ما يميز الجبل وقوعه على أحد الأنهار المندثرة الموغلة بالقدم وهو نهر محلم التاريخي والذي أشارت له الكتب القديمة. كما يميزه أنه أتى بجانب سفحه الجنوبي معسكر جيش المسلمين بقيادة أبو العلاء الحضرمي حين حوصرت مدينة جواثى بعهد الخلافة الأول. كما في نواحيه جاء قصر المشقر حيث كانت أهم أسواق العرب قبل الإسلام. فهو محطة المسافر والمقيم ومعلم من معالم المنطقة.

إلا أن تاريخ جبل بريقا لا يتوقف هنا فقد تم مسحه أثريا من قبل علماء آثار مختصين ووجدوا تلالا صغيرة بها مدافن ونماذج مختلفة من الفخار أقدمها يمثل حضارة ديلمون الشهيرة والتي أتت بعد زمن الطوفان وفي عصر زمن سومر حيث كان المعتقد أن ديلمون أرض الخلود والبعث. وربما كان ذاك بأسباب جمالها من حيث كانت وفرة المياه أعجوبة زمانه وربما أحد أبرز أعاجيب العصور القديمة. ومن أهمية هذه المدافن المكتشفة كثرتها حتى أن ذكر أحد الباحثين أنها بالمئات وتمثل أهمية كبيرة لحاضرة عربية مهمة ومنذ زمن التاريخ الأول وقف هذا الجبل شاهدا عليها. فهذه المدافن الركامية الهلنستية أرخت بين عام ٣٠٠- ٢٣ ق. م، وهي مدافن ارتبطت بالمكون الأثري لواد زراعي كانت تتناثر على ضفافه قرى تاريخية.

إلا أن من الملفت ورغم تسجيل هذه الآثار والمواقع رسميا إقامة مشاريع سياحية عليها دون الالتفات لهذه المواقع المكتشفة. وما يسيء هو عدم حماية ما اكتشف منها وبقي ولم يزل من وضع لوحات عليها وسياج لحمايتها مما سبب من تلف ودمار لمواقع تلك التلال أثناء عمليات البناء والردم لتلك الوسائل من الترفيه في جبل شعبة. وربما أقيم المشروع على شيء من هذه المدافن وأزيلت أثناء المسح والحفر فلم تسلم من معاول المقاولين. ولسنا ضد السياحة الترفيهية فهي مهمة بمنظورها المحلي كما أيضا السياحة الأثرية وهما تصبان في خندق واحد فليس الحي أبقى من الميت فكلتاهما مهمتان لذات الأهداف والمنظور السياحي. إلا أن السياحة الأثرية والتاريخية هي عالمية ولها وقع اقتصادي وعنصر جذب أشمل وأكبر من ناحية توظيفها السياحي ومستقطبة وعلى طول العام.

وربما نتمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عمل مسوحات أثرية شاملة بأجهزة متقدمة للوقوف على كافة هذه التلال لمعرفة ما تحتويه من إرث قديم وتحديدها، والقيام بأعمال تنقيب أثري لمعرفة محتواها. كما أيضا من أهمية وضع جبل بريقا شماليا وجنوبيا بما فيه من جبل شعبة وتسجيله كإرث إنساني يستوجب عدم المساس به وحمايته من التعديات أو من البناء والملكيات الخاصة للحفاظ عليه.

لا أحد يعلم ما يخبئه المستقبل لنا وللأجيال من بعدنا. إلا أننا واثقون وعلى قناعة بأن مسارنا نحو التحول الوطني سوف يبلغ مداه وسوف نصل بإذن الله سبحانه وتعالى لأهدافه. ومن أهدافه السياحة الأثرية والتي هي أحد أهم مكونات وروافد هذا الاقتصاد الخدمي الجديد. ونحن على قناعة بأن جبل بريقا من الأهمية التي تمثل مع بقية آثار الأحساء أحد مكوناته والتي إن حافظنا عليها وطورناها سوف تشكل طريقا ومسارا نحو تحقيق أهداف الرؤية.

@SaudAlgosaibi