سالم اليامي

عشية يوم 31 أغسطس 2021م، أعلن الجانب الأمريكي سحب قواته العسكرية، والاستخبارية، والدبلوماسية من الأرض الأفغانية، واجتهد الإعلام الأمريكي في تصوير آخر جندي أمريكي يغادر مطار كابول على الطريقة الهوليودية المعروفة، التي تحمل كثيرا من الرمزية، والرسائل الموجهة. أمريكا البلد الكبير، القوي اقتصاديا، وعسكريا وعلميا، وسياسيا بطبيعة الحال، أفاد بأن المهمة في أفغانستان انتهت. هكذا بكل اختصار، ووضوح وتركيز. على الجانب الآخر، بدأت أصوات المنتمين إلى طالبان تظهر بالتدريج، وبدأنا نسمع عن شخصيات، ومتحدثين، ومسؤولين في الحركة، الكل يتحدث عن أمور مختلفة، ومتعارضة أحيانا، ولكن الخط الذي يكاد يجمع عليه أغلبهم هو نقل رسالة أن أفغانستان استقلت في اليوم الذي خرج، أو أُخرج فيه الأمريكان كما يعتقد البعض. ومن الصور الأولى لمطار العاصمة كابول، ولبعض الشوارع فيها بدأت تظهر صور مسلحين ببزات عسكرية نظامية عكس الزي التقليدي الأفغاني، الذي كان اللباس الوحيد لمنتسبي حركة طالبان. هذه الصورة عززها بعض المتحدثين، الذين أشاروا وإن بشكل غير مباشر إلى أن طالبان ستتولى زمام الأمور بشكل فعلي، وعملي خلال أيام، وأهم من كل ذلك أنه من المتوقع إعلان دولة طالبان خلال وقت قصير. يقصد بذلك كما يفهم من السياقات العامة شكل الحكومة، وطبيعة النظام، وآلية القوى التي ستدير شؤون البلاد، والعباد. وللتذكير فقط كلمة طالبان تعني الطلبة، ولكنها أخذت بطريقة نطقها الأفغانية لتدل على مجموعات طلبة العلوم الشرعية، الذين اكتسحوا البلاد، في فترة ما وحكموا بعد انقسامات حادة في جسم التركيبة القبلية والعشائرية الأفغانية. طالبان عرفت منذ انطلاقتها في منتصف تسعينيات القرن الماضي بأنها فاعل ما دون الدولة، سيطرت فعليا على حكم بلاد فقيرة ومفككة وتعشش فيها الحروب منذ عقود، وأقصى شكل تنظيمي عرف لهؤلاء الطلبة هو إعلان الإمارة، وكما قيل حينها إمارة إسلامية. اليوم يواجه الطلبة، ومَنْ بقي من قيادات الصفوف الأولى في الحركة وتقول بعض التقديرات إن حجمهم يفوق النصف الآن. يواجهون شكلا جديدا من التحدي وهو إعلان الدولة، يشير إلى ذلك ضرورة المرحلة، فتجربة الحركة، وربما مبادئ الطلبة، وتراتبية السلطة، والقيادة بين أعضاء الحركة التنظيم لم تعد مناسبة اليوم، بل من الخطأ القاتل تكرارها، اليوم هناك فرصة ليقدم الطلبة نفسهم على أنهم الدولة الجديدة في أفغانستان المنكوبة. وهذا يحيلنا إلى المقولات، التي راجت منذ إعلان الجانب الأمريكي سحب قواته، التي تشير إلى تأهيل البديل وهو في هذه الحالة حركة طالبان، ويشرح البعض هذا التعويم للحركة من جديد في فرصة تاريخية ونادرة لعودتها للسلطة، لجملة أمور منها ضعف الطبقة السياسية الأفغانية، وغلبة الشكل التقليدي في القيادة والسلطة القائم على الولاءات للفصائل العرقية، أو الاجتماعية، والمناطقية. هذه أهم الأسباب الداخلية والمرتبطة بالمكون الأفغاني البشري، والقيادي، وفيما يتعلق بموضوع المؤثرات الخارجية فنجد أن تصريحات معظم الدول المهتمة بالشأن الأفغاني تمنت للناس في أفغانستان الأمن، والسلامة، ولم يتم الحديث عن دولة، أو شكل للدولة، إلا أن بعض القوى الإقليمية بيّنت أنها على استعداد للتعامل مع طالبان نتاج الأمر الواقع، وهذا يفهم منه ضمنا أن الحركة تم تأهيلها لتكون دولة في المقام الأول مع المنسحب الأمريكي، الذي طبخ الأمور في هذه الرقعة الجغرافية على نار السياسة الهادئة لمدة عقدين من الزمان. ثم يأتي في المقام الثاني القوى الغربية، التي أعلنت عن ترحيبها الضمني بعودة الطالبان بشروط، كما أن هناك قوى أخرى تعاملت مع الطالبان كقوة جديدة حاكمة في كابول منذ بدء الانسحاب الأمريكي، ومن ذلك أن السفير الروسي لم يغادر كابول، واجتمع مع ممثلين للطالبان في مبنى السفارة الروسية في الأيام الأولى للانسحاب الأمريكي. الواقع أحيانا يفرض نفسه على السياسة والحكم، وإدارة الدول، والشعوب، المهم كيف يكون ذلك الواقع، هل يتخلص من عباءة الحركة ويتماهى مع رداء الدولة، أم يتمثل الدولة بعقلية وذهنية الحركة. قد يكون السؤال عابرا وهامشيا، ولكنه يخفي وراءه مخاوف الجميع من عودة الإرهاب، والعنف وتصديره للعالم من أفغانستان.

@alyaum