اليوم - وكالات

تمت ملاحقة «الغجر» بلا رحمة في عشرين بلدا أوروبيا

ارتكب النازيون جرائم إبادة جماعية ضد أقلية السنتي والروما، المعروفة بـ«الغجر»، لكن لم يتم تسليط الضوء بما فيه الكفاية على الجرائم الوحشية ضدهم أو تعويضهم، والبرلمان الأوروبي جعل الثاني من أغسطس يوما لتخليد ذكرى ضحاياهم.

«عزيزتي بانيتلا» كتبت ماغريتا بامبرغر إلى أختها في برلين قائلة: «يجب أن أخبرك بأن طفليَّ الصغيرين قد توفيا»، وقد تم تهريب رسالتها هذه عام 1943 من معسكر الاعتقال النازي في أوشفيتس- بيركناو، حيث كانت مارغريتا معتقلة هناك مع زوجها وطفليهما، وقد نجت هي وزوجها من الموت هناك في حين مات الطفلان.

هي واحدة من رسائل 60 شاهدا من معسكر الاعتقال، وقد جمع باحثون أوروبيون بالتعاون مع المؤرخة كارولا فينغز، شهادات من رسائل وأقوال لأشخاص من الأقليات التي تمت ملاحقتها من قبل النازيين في عشرين بلدا أوروبيا من بينها: بيلاروسيا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا وإيطاليا وكرواتيا، والنمسا.

اليوم الأوروبي

«والمميز بما تم جمعه، هو أن الضحايا من السنتي والروما، هم المتحدثون وليس المجرمون»، هكذا قالت كارولا فينغز المؤرخة والباحثة في جامعة هايدلبرغ الألمانية، في حديثها مع «دويتشه فيليه».

مثل طفلي مارغريتا، توفي معظم المعتقلين في معسكر أوشفيتس- بيركناو بسبب الجوع والمرض والعنف. في ليلة 2-3 أغسطس عام 1942 وصلت جريمة إبادة أقلية السنتي وروما إلى «ذروتها»، تقول فينغز، حيث تم في هذا اليوم قتل 4300 شخص. ولذا قرر البرلمان الأوروبي، اعتبار 2 أغسطس «اليوم الأوروبي لتخليد ذكرى إبادة السنتي والروما».

في تلك الليلة ماتت غريتل ابنة تسيلي شميت، أيضا مختنقة بالغاز مع جديها وخالاتها وأولادهن الستة، قبل ذلك كان قد تم نقل تسيلي مع آخرين قادرين على العمل، حين حاولت النزول من القطار والعودة إلى عائلتها صفعها طبيب المعسكر النازي وأرغمها على العودة إلى القطار، وبذلك «أنقذ حياتي، لكنه لم يقم بما كنت أتمناه» تقول تسيلي.

ويقول أندريا غروناو، كاتب التقرير الذي نشرته «DW»: تم انتزاع أطفال فرانسيسكا كورتس (أوتو وسونيا وألبرت وتوماس) منها ووضعهم في ملجأ ومن هناك تم ترحيلهم إلى معسكر الاعتقال، وكتبت فرانسيسكا عام 1946 إلى المسؤولة عن ملجأ الأطفال الكاثوليكي، بأن الشرطة آنذاك أخبرتها شفهيا بأن «أطفالي الأربعة في أوشفيتس»، فسألت فرانسيسكا «وماذا تريدون من أطفالي المساكين؟» فردوا عليها باختصار «إبادتهم»، وقد تم أمرها بالتزام الصمت، وإلا سيتم ترحيلها هي وابنتها الكبرى ماريا أيضا إلى معسكر اعتقال، ويتابع: أطفال فرانسيسكا الأربعة قتلوا في أوشفيتس، ومن الأطفال الـ 39 الذين تم ترحيلهم معهم من ملجأ الأطفال الكاثوليكي لم ينج سوى أربعة منهم، من دون أن تحمي الكنيسة الكاثوليكية هؤلاء الأطفال.

عمليات الترحيل

وفي مايو 1943 حين بدأت عمليات الترحيل إلى أوشفيتس والتعقيم القسري، كتب أسقف بريسلاو، أوسكار روزيه، «إذا لم تحمنا كنيستنا الكاثوليكية، فإننا نتعرض لتدبير محتقر أخلاقيا وقانونيا»، وأضاف: إن عدد المهددين يبلغ «نحو 14 ألف شخص من أتباع الكنيسة الرومانية-الكاثوليكية».

لكن نداء الأسقف هذا وكما مناشدات أخرى لم تلقَ أي صدى، بالعكس من ذلك هناك أمثلة من المناطق المحتلة في يوغسلافيا والاتحاد السوفياتي، «حيث قام مسلمون بحماية أقلية السنتي وروما، ولم يتم ترحيلهم»، تقول المؤرخة كارولا فينغز.

حيثما وصل النازيون في أوروبا، لاحقوا السنتي وروما وقتلوهم إما رميا بالرصاص أو في معسكرات الاعتقال، «حسب سياستهم وحلفائهم في تلك المناطق» تقول فينغز، وتتابع: ففي بولندا مثلا بالإضافة إلى معسكرات الاعتقال النازي كان هناك 180 مكانا تم ارتكاب مجازر فيها، كما كانت هناك مجازر في دول ومناطق أخرى احتلها النازيون.

ويقول الموسيقي يوزيب يوكا نيكويتش: «منذ ولادتي حتى عام 1942 عشت مع عائلتي بشكل دائم في منطقة بريدافيك»، بعد ذلك طرد رجال من الدرك وفاشيون كروات، عائلته وعائلات أخرى من السنتي وروما من هناك وتم ترحيلهم كبارا وصغارا رجالا ونساء إلى معسكر الاعتقال يازينوفاك، وكان واضحا أنه «تم جلبنا إلى هناك لنموت»، وحين تم فصله بالقوة عن عائلته واقتياده مع رجال آخرين إلى الإعدام، نجح في الفرار والانضمام إلى رجال المقاومة.

وفي صربيا نهاية عام 1941 تفيد ميلينا ستانوفيتش بأن النازيين دخلوا إلى حيهم في مدينة بلغراد و«اقتحم اثنان من رجال المخابرات وبصحبة اثنين من رجال الشرطة الصربية منزلنا».

وتقول: إن زوجها وأحد شقيقيها كانا موظفين حكوميين وشقيقها الآخر عاملا وابن زوجها موسيقيا، وكلهم لديهم أطفال وعائلة ويحملون الجنسية الصربية، فتم اعتقالهم جميعا ونقلهم مع 1500 رجل من الروما إلى معسكر اعتقال، وبعد عدة أيام تم إعدامهم رميا بالرصاص خارج المدينة.

جرائم إبادة

وبعد نحو شهر من قتل زوجها والرجال الآخرين تم ترحيل ميلينا وزوجات الرجال الآخرين مع أطفالهن إلى معسكر اعتقال، وكثيرون من هؤلاء تم قتلهم مع المعتقلين اليهود في المعسكر، وأعلنت قوات الاحتلال النازي في صربيا عام 1942 أن صربيا هو البلد الوحيد التي «حل قضية السيغوينا (السنتي والروما)».

في هنغاريا أيضا ارتكب النازيون مجازر وجرائم إبادة جماعية بحق أقلية السنتي والروما.

في أبريل عام 1942 جاء النازيون إلى قرية ليديا كريلوفا الروسية، ونادى ضابط منهم على كل سكان القرية بأسمائهم فردا فردا، وسمح لسكان القرية من غير الروما بالعودة إلى منازلهم، أما الروما فتم جلدهم عراة «وسوقهم كالماشية» إلى حافة حفرة، تقول ليديا.

وتواصل: أطلق الرصاص على الأطفال أمام أعين أمهاتهم، ثم انتزع الرضع من حضن أمهاتهم وتم رميهم في الخندق، وتضيف ليديا التي نجت من المجزرة «ليس الأطفال وحدهم تم رميهم أحياء في الحفرة»، فقد رمى النازيون الألمان امرأة عجوزا مريضة أيضا كانت بناتها تحملنها، وقد أفادت بشهادتها هذه لدى تحقيق الاتحاد السوفياتي في جرائم النازية.

وترى المؤرخة فينغز أنه «يجب تعويض ورثة الضحايا والأجيال اللاحقة من أبناء الضحايا، ليس في ألمانيا وإنما في البلدان الأخرى أيضا، وخاصة في النمسا حيث استبعد السنتي والروما وحرموا من التعويضات عام 1945»، كما تطالب ألمانيا بأن تتولى المسؤولية عن ضحايا جرائم النازية من أقلية السنتي والروما كما فعلت مع الضحايا اليهود.