د ب أ - واشنطن

كما هو متوقع أدى رحيل الجيش الأمريكي من أفغانستان إلى خلق حالة من الفراغ الأمني، مثلما حدث في العراق في عام 2011، مما تسبب في تدهور الوضع في البلاد، بسرعة مثيرة القلق.

وذكر محلل الأمن القومي، رافي خطاب، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأمريكية، أن الانسحاب العسكري الأمريكي شجَّع حركة طالبان على الاستيلاء على أكثر من 120 مقاطعة من أصل 387 مقاطعة في أفغانستان. كما استولت طالبان على المعابر الحدودية الرئيسية في أفغانستان، ونقاط العبور مع طاجيكستان وتركمنستان في الشمال، وإيران في الغرب، وباكستان في الجنوب، مما أدى إلى فرض حصار اقتصادي حول البلاد.

وقال خطاب إن خسارة مثل هذه الكم الهائل من الأراضي لصالح طالبان في غضون ستين يوما فقط من القتال، ترسل موجات صادمة في أنحاء العالم، وتذكرنا بالفوضى المروعة التي شهدتها العراق في عام 2011 على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك بعد أن سحب الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما، قوات بلاده من هناك.

ويقول خطاب، الذي عمل من قبل لدى الحكومة الأمريكية في أفغانستان لعدة أعوام، إن كابول تواجه اليوم، مع المنطقة، «أزمة إنسانية». ومن الناحية التحليلية، هناك أربعة عوامل تكتيكية وعملياتية واستراتيجية وسياسية، تفسّر الخسارة الهائلة للأراضي لصالح طالبان، وهي كالتالي:

أولا: تركيز القوة بصورة غير متوازنة: لقد كان المعقل التقليدي لطالبان دائما بداية من عام 1994، هو الأجزاء الجنوبية والجنوبية الشرقية لأفغانستان على الحدود المضطربة مع باكستان. وبالتالي، تم نشر قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية بكثافة في هذا الجزء من البلاد، مما ترك الأجزاء الشمالية والوسطى والغربية من أفغانستان، معرضة للخطر.

وفي الوقت نفسه، كشف خروج الجيش الأمريكي من البلاد نقاط ضعف كبيرة في الأجنحة الشمالية لقوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، وأفسح المجال أمام طالبان لاستغلالها.

ثانيا: عدم وجود قيادة وسيطرة بصورة مستقرة: وكان وزير الدفاع الأفغاني غاب عن مسرح الحرب في البلاد خلال الأشهر العشرة الماضية. وقد أبقى الرئيس الافغاني أشرف غني، منصب وزير الدفاع شاغرا، عن عمد، بينما كانت الحرب تحصد أرواح عشرات الأفراد من قوات الجيش والمدنيين، كل يوم.

وفي ظل هذه الخلفية، قام الرئيس بنفسه بتولي مسؤولية الحرب، بصورة أساسية. وقام بإدارة الجيش مع عدد قليل من المساعدين المدنيين من داخل القصر الرئاسي. ثالثا: الاقتتال السياسي وضعف القيادة: فقد ساهم الانقسام العميق داخل القيادة السياسية الأفغانية في تدهور الوضع بصورة كبيرة، وهي نقطة أكدها الرئيس الأمريكي جو بايدن مرارا في خطابه المتعلق بانسحاب قوات بلاده من أفغانستان، في الثامن من يوليو عام 2021.

وكانت إدارة بايدن لديها أسباب وجيهة لافتراضاتها. فرغم كل شيء، ساعدت الولايات المتحدة في تدريب وتجهيز وتمويل أكثر من 340 ألف جندي من قوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، ولم تدخر شيئا لدعم أفغانستان خلال العقدين الماضيين. ومع ذلك، استمرت بوادر هذا الانهيار منذ إجراء الانتخابات الرئاسية المزورة في عام 2014. واستمر الاقتتال السياسي الحاد بعد إجراء انتخابات رئاسية مزورة أخرى، تضمنت تزوير كبير لأصوات الناخبين في عام 2019، وبعدها أعلن كل من المتنافسين الرئيسيين، أشرف غني وعبد الله عبد الله، نفسه رئيسا للبلاد، وعقد كل منهما مراسم متزامنة لأداء اليمين في كابول.

وقد تسبب الاقتتال السياسي الداخلي الناتج عن ذلك في حدوث فوضى عارمة في البلاد. وعندما كرر السياسيون الأفغان نفس أحداث التزوير في الانتخابات الرئاسية لعام 2019، فقدت الولايات المتحدة صبرها وبدأت في التفكير في الانسحاب من البلاد تماما، بحسب خطاب.

رابعا: عدم كفاية الدعم الجوي واللوجستي: تعد المناطق الريفية ذات الإمدادات المحدودة، أسهل بالنسبة لطالبان للاستيلاء عليها، كما تعتبر حمايتها أكثر صعوبة بالنسبة لقوات الدفاع الوطني والأمن الأفغانية، بسبب بُعدها، واللوجستيات غير الموثوق بها، ووعورة التضاريس، حيث يعد الأمر أكبر من قدرات قوات الدفاع الوطني الأفغانية.