د ب أ - واشنطن

تتزايد في الوقت الحالي التوترات الدبلوماسية بين أكبر اقتصادين في العالم. ففي الأسبوع الماضي، اتهمت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قراصنة إنترنت يعملون تحت رعاية أكبر وكالة تجسس صينية بسرقة أنظمة البرمجة الخاصة بالبريد الإلكتروني لشركة مايكرسوفت، وهو زعم رفضته الصين بغضب شديد بوصفه «تشويها للسمعة».

وفي الأسبوع قبل الماضي، حذر البيت الأبيض شركات أمريكية من المخاطر التي ينطوي عليها العمل في هونغ كونغ، وفي الوقت نفسه يتم إضافة المزيد من الشركات إلى قائمة الشركات الصينية التي تتعرض لعقوبات من جانب واشنطن.

وقال مدير تحرير منتدى «بلومبرغ» للاقتصاد الجديد اندرو براون: إنه قبل خمسين عاما، كسرت رياضة تنس الطاولة الجمود بين الدولتين إبان الإدارة الأولى للرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون.

ويشير الباحث المتخصص في الشؤون الصينية، اورفيل شيل، إلى أن فريقا أمريكيا جذب انتباه رئيس الوزراء الصيني آنذاك، شو إن لاي، خلال دورة احتضتنها اليابان.

وأضاف براون في تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ»، إنه بعد ثلاثة أشهر، تم اتباع نهج الدبلوماسية الأكثر تقليدية عندما اجتمع وزير الخارجية إنذاك هنري كيسنجر مع رئيس وزراء الصين شو إن لاي، خلال زيارة سرية للإعداد لـ«الاختراق» التاريخي تجاه الصين، ولكن للأسف، فإن استمرارا مماثلا للأحداث سوف يكون غير محتمل إلى حد كبير اليوم حتى في الوقت الذي تكرر فيه الدولتان مواجهة حربهما الباردة.

ويعد التخريب الرقمي استفزازا خطيرا -وهو سبب وذريعة لاندلاع حرب في ظل بعض الظروف- وأثر الهجوم السيبراني على عشرات الآلاف من الشركات.

وأدان وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن، في معرض شجبه للهجمات، ما وصفه بـ«الاستبدادية الرقمية»، وهذا وصف يعد صدى لوجهة نظر الرئيس الأمريكي بايدن بشأن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على أنها صراع «الدول الديمقراطية ضد الدول المستبدة» من أجل الهيمنة على العالم وقيادته في القرن الحادي والعشرين.

وتابع براون «إن دبلوماسبة رياضة تنس الطاولة لن تنجح لكسر الجمود في هذه الأيام، ليس لأن الظروف الغريبة لحقبة سبعينيات القرن الماضي لا يمكن أن تتكرر، ولكن بسبب الحقيقة التي مفادها أن القواعد التي تقوم عليها العلاقات الثنائية الأكثر أهمية في العالم قد تغيرت».

وإذا رجعنا إلى ذلك الوقت، لوجدنا أن الدولتين كانت كل منهما في حاجة للأخرى، فالصين كانت قد انفصلت عن الاتحاد السوفيتي آنذاك وكانت في حاجة ماسة إلى صديق قوي آخر.

من جهتها، كانت أمريكا تريد قوة آسيوية موازنة للسياسة التوسعية السوفيتية، ولكن انهيار الاتحاد السوفيتي قوض السبب الرئيسي لهذه العلاقة.

والأكثر من هذا، ظهرت على السطح الخلافات الأيديولوجية والسياسية التي خمدها العداء المتبادل تجاه عدو مشترك.

ويجدر تذكر أنه في مطلع حقبة سبعينيات القرن الماضي، كانت الصين في خضم الثورة الثقافية، التي كانت بمثابة إهدار واستخفاف بحقوق الإنسان.

ولكي يحقق الزعيم الصين ماوتسي تونغ، التقارب مع الولايات المتحدة، وافق على تنازلات مذلة بشأن تايوان، التي أصبحت بعد ذلك، مثلما هي الآن، القضية الدبلوماسية الأشد حساسية في العلاقات بين بكين وواشنطن.

ورغم ذلك، هناك فروق مهمة بين الحروب الباردة الماضية والحالية، يتمثل أبرزها في درجة عالية من الاعتماد الاقتصادي المتبادل.

وكان من المستهدف أن تحاول نائبة وزير الخارجية الامريكي ويندي شيرمان أن تفتح الباب مرة أخرى خلال زيارتها التي قامت بها للصين مؤخرا للمساعدة في إدارة التوترات المتصاعدة، لكن نائب وزير الخارجية الصيني زي فينغ قال لها: إن علاقة بلاده مع الولايات المتحدة في حالة «جمود» وتواجه «صعوبات خطيرة».

كما تركزت مباحثات شيرمان مع وزير الخارجية الصينية وانغ يي، بدرجة كبيرة على حقوق الإنسان.

واختتم براون تقريره بقوله: «إن هذه الزيارة ليست اختراقا على غرار اختراق حققته رياضة تنس الطاولة، ولكن في هذه الحرب الباردة، يعتبر هذا البروتوكول الدبلوماسي العادي تقدما مهما».