عبدالله الغنام

نشرت مؤخرا صحيفة اليوم (بتاريخ 17 يونيو 2021م) خبرا يُثلج الصدر، ويفرح له كل مَنْ يحب العلم والوطن، حيث إن ثلاث (3) جامعات سعوديات كانت من ضمن قائمة (100) الأفضل بالعالم في مجال براءات الابتكار. وكان ترتيبها كالتالي: جامعة الملك فهد للبترول والمعادن (14)، وجامعة الملك عبدالعزيز(33)، وجامعة الملك سعود (45).

والحقيقة أن ما يميز الدول المتقدمة، وكذلك الشركات الرائدة حول العالم هو الحرص الدؤوب على البحث والتطوير، وهو يختصر بالإنجليزية (R&D). وطالما أننا ننفق على هذين المجالين بسخاء وبانتظام، فسوف نكون من السباقين والرواد في عالم الابتكارات والاختراعات، وبالتالي نكون في ركب الدول المتقدمة.

وأما عالميا وبحسب موقع أرقام، وبناء على مؤشر «بلومبرج» للابتكار لعام ( 2020م) جاءت ألمانيا كأكثر الدول ابتكارًا ومتصدرة للعالم، وقد تراجعت كوريا الجنوبية للمركز الثاني بعد كانت متصدرة للمركز الأول لست سنوات!. وأنه لمن المستغرب أن تأتي أمريكا في المركز التاسع، وقد كانت تحتل المركز الأول عام (2013م). وهذا يدل على أن الاهتمام بهذا الجانب لا يتعرف بكونك دولة تتزعم العالم ستكون الأفضل في مجال الابتكارات والاختراعات، بل قد يُسحب منك البساط إذا فقدت التركيز، فللمحافظة على القمة لا بد من الإنفاق بسخاء على البحث والتطوير.

وهذه المعلومات والأخبار، التي ذكرت عن الجامعات السعودية يدل على أن هناك اهتماما بدأ يتنامى بهذا الجانب، وهو أمر جِدُّ محمود وممدوح، ويبشر بأن القادم سيكون أفضل إذا واصلنا الدعمين المادي والمعنوي للجامعات، وبطريقة مدروسة ومنتظمة. وهنا يأتي ليس فقط دور القطاع العام، بل أيضا دور القطاع الخاص مهم، خصوصا الشركات الكبرى في المملكة لتتعاون وتستثمر في هذه الجامعات. فمثلا: يُخصص جزء من قطاع (R&D) في الشركة لدعم الجامعات على أن تكون المخرجات من الابتكارات والاختراعات تصب في مصلحة الشركة، ويصبح لدينا ما يسمى (WIN/WIN) أي الربح للطرفين. وبذلك تصبح الجامعات والشركات من الرواد في عالم الأعمال وفي مجال البحث والتطوير.

وعلى الشركات أن تؤمن بأن هذا التعاون والمشاركة تصب في مصلحتها على المدى الطويل لأنها شراكة رابحة بلا أدنى شك. ويدل على ذلك حجم ما تنفقه الشركات الكبرى على بحوث التطوير من أمثال: أبل وسامسونج وجوجل وميكروسوفت وغيرها. والواقع أنها تنفق مليارات من الدولارات من أجل أن تنافس وتبقى في المقدمة.

وبيئة البحث والتطوير تحتاج إلى عقلية منفتحة على الأفكار ولو كانت غربية أو حتى لو بدت ساذجة في بدايتها. والعقليات الإدارية التي تدير مراكز البحوث لا بد أن تكون بعيدة كل البعد على النمط التقليدي سواء في التفكير أو الإدارة (فأي نوع من البيروقراطية) سيقتل الأفكار الخلاقة والمبدعة في مهدها، خصوصا في التعامل مع فئة الشباب، حيث الانطلاق خارج الصندوق وخارج المألوف هو ديدنهم.

أضف إلى ذلك أن المبتكر والمخترع لا يحب البيئة المثبطة، التي تلزمه بعمل روتيني ممل، بل معظم هؤلاء الأشخاص الأذكياء في الغالب يحبون الخروج عن التقليد في التفكير أو في طريقة العمل والبحث. ويُذكر أن المخترع الأمريكي المشهور توماس أديسون قد قال: «إن أشقى لحظات حياتي وأضيعها هي التي لا أجهد فيها عقلي بالتفكير».

وحين نتتبع سير العلماء والمبدعين بمختلف مجالاتهم سنجد أن لديهم صفة مشتركة وهي البعد وقلة المشاركة في الحياة الاجتماعية، وكذلك الانعزالية المؤقتة أو لمدد طويلة لضرورة التركيز الشديد، والعمل الجاد والمضني. وقد اعتزل نيوتن لندن في زمن الطاعون إلى الأرياف اضطرارا! فأبدع لنا القوانين الثلاثة المشهورة. واعتزل الجاحظ الناس من أجل الكتب، فأبهرنا نثرا وأسلوبا.

ومن المهم جدا ألا يُهمل الإنسان (موهبته) فهي أم الابتكارات.

abdullaghannam@