سالم اليامي

في السياسة إجمالاً ما يوصف بالعنف السياسي ويكون من معانيه العامة نشوب حالات عنف، وتوتر في المجتمعات، ذات بعد، أو سبب سياسي، كما يفسره البعض، خاصة الإعلام الغربي في الستينيات، والسبعينيات من القرن الماضي بالأحداث غير المألوفة التي تعرض لها أناس يشتغلون بالسياسة، مثل حوادث القتل، والاغتيالات، أو الاعتداء على الممتلكات مثل دور النشر، التابعة لصحف حزبية، أو مقرات أنشطة بعض المنظمات السياسية.

الموضوع الذي سآخذكم بالحديث حوله هو موضوع الصفعة، التي تعرض لها الرئيس الفرنسي مؤخراً من شاب فرنسي في أحد اللقاءات العامة. الإعلام الفرنسي وربما الأوروبي تحدث عن الأمر بأنه محاولة صفعة، وبالتعبير القانوني محاولة شروع في توجيه صفعة للرئيس لفخامة الفرنسي من مواطن يختلف مع الحكومة والنظام القائم في كثير من الأوجه. في ذات الوقت، راحت جهات إعلامية وصحفية عالمية تؤكد أن ما حدث كان صفعة، واجتهد البعض في تقديم مشاهد فليمية للصفعة بالسرعة البطيئة، ومحاولة تقديم الصفعة من زوايا مختلفة لا لشيء، بل لمجرد أن ما حدث كان صفعة كاملة الأركان، كما يقال. هذه الجزئية ذكرتني بالحوار الذي جرى بين أشهر فناني كوميديا في منطقة الخليج، والكويت هما سعد الفرج، والمرحوم حسين عبدالرضا في مسرحية «على هامان يا فرعون»، وعندما أحضر الأخير كتابا يؤكد أن جد الأول تعرض للبصق من أحد الولاة، فحاول سعد الفرج تجاوز الموضوع لكن سند، أو حسين عبدالرضا كرر الكلمة، ووضحها للموجودين، وكان بعد كل مرة يري الكلمة لأحد من الحاضرين يقول باستفهام إنكاري: بصق، ولا أكل؟ بصق، ولا باس؟ الغالب أن الذي حدث في باريس مع السيد ماكرون صفعة. من الأشياء العجيبة الغريبة في هذه الحادثة، التي لن تكون عابرة في تاريخ فرنسا ورئيسها الحالي، أن الحكم جاء سريعا، ومعلناً للجميع وخلال اثنين وسبعين ساعة على وجه التقريب، ويشمل عقوبة مخففة بالسجن لمدتين زمنيتين الأولى مع التنفيذ، ولا تتجاوز أربعة أشهر، والثانية أربعة عشر شهرا، مع وقف التنفيذ. كما تمت بكل تأكيد مراجعة كثير من الملفات السلوكية، والاجتماعية، والأمنية للمعتدي، ولثلة من رفاقه، وفي الغالب لم تك مريحة بعض النتائج التي أعلنت، ولكنها لم تك كافية لإيقاع عقوبة أشد من ذلك بالرجل، ولا ببعض رفاقه الذين تأكد حيازة بعضهم لأسلحة نارية، وهم جميعا من أعداء النظام الجمهوري في فرنسا، ومناصرين بقوة لفرنسا الملكية، التي يعتقدون أنها كانت أقوى، وأكثر انتشارا، وسيطرة في أوروبا على الأقل مما هي عليه اليوم. التحرش بالسياسيين عادة غير مأمونة العواقب، خاصة عندما يكون السياسي رئيس دولة، أو يشغل مهمة الرجل الأول في النظام. وتذكر بعض الحكايات التي يتناقلها الناس هنا، وهناك أن أحد المواطنين في دولة ما أصيب بمرض البول السكري الشديد، الذي يفقد معه السيطرة أحياناً على نفسه، وكان في إحدى المرات يمر أسفل تلة في العاصمة في أعلاها تمثال من البرونز لرئيس تلك الدولة، المهم الرجل اختار مكانا ما وقضى حاجته معتقدا أن لا أحد يراه، ولكن الذي حدث أن رجال الأمن رصدوا حركة الرجل، وألقوا القبض عليه، فور انتهائه من مهمته، المفيد أنه أودع السجن على وجه السرعة، ولم تؤكد أي جهة إعلامية، أو عدلية مصيره، وعلى أي أساس سجن. وبعد فترة تعبت أسرته في البحث عنه اهتدوا إلى أنه موجود في السجن السياسي الخاص بالمعارضين السياسيين، ومدبري الانقلابات على النظام ورئيسه. وعرفوا بعد أن دفعوا كثيرا من الرشاوى المادية أن تهمته هي إهانته السيد الرئيس بشكل علني!! الصدمة التي أصابت أسرة الرجل، أنهم يعرفون أن والدهم لا يتعاطى السياسة مطلقا ولكن حظه العاثر، وداء السكري اجتمعا عليه في حضرة تمثال الحاكم.

salemalyami@