د. شلاش الضبعان

ذكر الحصري القيرواني في كتابه جمع الجواهر في الملح والنوادر: وكان أبو الحارث حسين يظهر لجارية من المحبة أمرا عظيما فدعته وأخرت الطعام إلى أن ضاق، فقال: يا سيدتي، ما لي لا أسمع للغداء ذكرا. فقالت: يا سبحان الله! أما يكفيك النظر إلي وما ترغبه في من أن تقول هذا؟ فقال: يا سيدتي، لو جلس جميل وبثينة من بكرة إلى هذا الوقت لا يأكلان طعاما لبصق كل واحد منهما في وجه صاحبه.

يعتقد البعض أن الحياة هي حب وعشق وهيام، ومن لا يحمل قلبا أخضر يعشق كل ما هو جميل ناقص الحياة والذوق ويجب أن يعالج، وهذا نوعا ما صحيح، ولكن فيه مشكلتان تحتاجان إلى مراعاة..

الأولى: قصر الحب على حب الشاب لفتاة أو الفتاة لشاب، وهذا يتسبب في مصائب فالبعض يتعلق بالطرف الآخر وتجد حياته كلها متابعة لهذا الطرف، وأحيانا انخداعا -خصوصا في الجانب النسائي- بمن يسوق الحب وهو أبعد الناس عن الحب، ولا يحمل إلا الدناءة بأسوأ صورها، يجب أن نعرف أن الحب كبير وواسع وأعلاه حب الله جل جلاله الذي أكرمنا وأنعم علينا بنعم لا تحصى تستحق معها الحب والحمد، ومن الحب حب الوالدين وما يتبعه من القيام بحقوقهما فقد قدما الكثير والكثير لأولادهما مما يستحق الحب، ومن الحب حب الأقارب والأرحام والأصدقاء والزملاء، ومن الحب حب الإنجاز والتميز، وقد تغني أنواع الحب هذه عن الحب بمفهومه الضيق، والتاريخ يتحدث عمن أشغلته إنجازاته عن حب فتاة أو فتى.

وللحب بمفهومه السامي قال الإمام الشافعي رحمه الله:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع

في كل يوم يبتديك بنعمة منه وأنت لشكر ذاك مضيع

وثانية المشكلات: أن تعظيم حجم الحب يتسبب في خلل في ترتيب الأولويات، فالبعض يترك بناء نفسه وتطوير ذاته وأن يكون شيئا مذكورا في هذه الحياة لتعلقه بفتاة، أو لتعلقها بشاب، مع أن الأمر كما قال أبو الحارث عن جميل بثينة لو فقدا الطعام، فكيف بفقد ما هو أكبر؟!

يجب أن يدرك العاشق المتيم أن مع فقد المال والنجاح ومراعاة الحقوق سيكون الحب ناقصا حتى لو كان في بدايته جارفا.

تويتر: @shlash2020