سعود القصيبي

تعودنا أن ما يحدث في الولايات المتحدة الأمريكيه من قرارات سياسية أو مالية يأخذ بعدا عالميا كبيرا لاعتماد دول العالم على الدولار بالتقويم للعملة وكأداة للتحويل بين العملات وإجراء المعاملات المالية الدولية ومن اعتماد لنسب الفائدة. وبالإضافة فإن الولايات المتحدة تمثل جزءا كبيرا من التجارة العالمية لاتساع أسواقها وكأكبر اقتصاد في العالم. فإن تأثرت تأثر العالم معها وإن نالها تضخم في أسعار السلع أو الأجور فسينعكس حتما على الدول المختلفة. وكأي دولة أخرى فقد تأثرت الولايات المتحدة الأمريكية بسياسات الإغلاق من أسباب جائحة الكورونا والتي أدت بدورها لارتفاع البطالة وخلل في منظومة العرض والطلب وارتفاع في حالات الإفلاس وإغلاق الشركات. وقد شاهدنا كمثال أسعار البترول حينها في الولايات المتحدة تصل إلى الصفر بفعل الإغلاق وشاهدنا الكثير من المتاجر الصغيرة يتأثر مباشرة من تسريح للعمالة وطلب الإعانة وحتى المطاعم منها.

وللعودة قبل زمن تفشي المرض، كانت الحالة السياسية مضطربة وكان الحزب الديمقراطي المسيطر على آلة الإعلام في حالة أشبه بالحرب ضد الرئيس الأمريكي ترامب وحزبه الجمهوري. إلا أن من نتائجه أن بان توجه سياسي جديد من الإقصاء الفكري أو ما يسمى الإلغاء والذي خلق بدوره حالة من الاختلاف بالرؤيه والنهج الاقتصادي للأحزاب. أحدهم يميني يسعى إلى منهج الاقتصاد الحر لإدارة كفة الاقتصاد والآخر يساري يسعى إلى منهج الاقتصاد الاشتراكي وهما على نقيضين. فالأول يهدف إلى تصغير الحكومة وتقليص الأنظمة وخفض الضرائب لرفع حالة الاقتصاد والآخر يهدف إلى العكس ليخدم أجندات اجتماعية بعيدة عن حالة الاقتصاد مما يؤثر وبشكل مباشر على حجم الإنفاق ومن ترهل حكومي ويعتمد بشكل أساس على الدولة ومؤسساتها لرفع حالة الاقتصاد.

كان الاقتصاد الأمريكي في بداية ظهور فيروس الكورونا يمر في حالة تألق من انحسار للبطالة ونمو في مختلف الأعمال ومن زيادة في الصادرات وخاصة البترولية منها. إلا أن الوضع اختلف ومنذ الجائحة من الأخذ بالسياسات الاحترازية وبالرغم من تباين قرارات ورؤى الولايات المختلفة، جاءت حالة الاقتصاد الأمريكي في تأزم ومر في مرحلة تباطؤ لضعف الطلب على السلع والحركة التجارية، وكذلك من ارتفاع لمعدلات البطالة وضعف الصادرات والاستثمار.

وإلى حين وصول الرئيس الجديد المنتخب، كانت البشائر تشير بعودة الاقتصاد الأمريكي بقوة وخاصة بعد إيجاد لقاحات ضد مرض الكورونا وفتح الأسواق أيا كان رئيس الولايات الجديد وهو الأمر الطبيعي. إلا أن الإدارة الجديدة أضاعت الوقت الثمين الحرج لإدارة حالة الاقتصاد لتنفيذ أجندتها في بدايات حملة التطعيم ودخلت في إرهاصات سياسية ضد خصومها فنقضت كل ما كان من سياسة وتوجه للرئيس ترامب وحتى من قرارات لها وقع اقتصادي جيد. فألغت مشاريع كان لها تأثير مباشر على أسعار الطاقة من الارتفاع على أمل مشاريع بديلة مستقبلية للطاقة النظيفة. كما أنها خصصت من خلال الكونجرس بسيطرة الحزب الديمقراطي على أموال ضخمة للعاطلين عن العمل. ووزعت أموالا ضخمة أخرى على مشاريع ليست ذات علاقة لها تأثيرات اجتماعية جاءت لأغراض سياسية. كل تلك الأموال المقترضة من الإنفاق أتت بسيولة ضخمة وبوقت قصير وقد تكابلت مع ارتفاع للطلب طبيعي على السلع المختلفة بعد فتح الأسواق، ومن ارتفاع بالسلع الأساسية بأسباب ارتفاع تكلفة الطاقة ومن نقص بالعمالة بسبب خلل في مشروع الدعم للعاطلين عن العمل. وعلى اثر عودة الأسواق قفز التضخم وبمعدل الأسعار إلى 5% وهو أكبر معدل ومنذ عام 2008.

كل تلك المؤشرات التضخمية يذكر محللون أنها مؤقتة وبزوال أسبابها يعود العرض والطلب لطبيعته. ويذكر آخرون أن الخلل سيبقى بأسباب تلك السياسات الحزبية المتعلقة بالطاقة والدفع بالإنفاق وزيادة الضرائب. كما يؤكدون أن القوى التضخمية ما زالت قوية ويتوقعون معها ارتفاعات كبيرة في نسب الفائدة قد ترجعنا إلى فترة نهاية السبعينات والتي وصلت فيها الفوائد إلى ما يقارب العشرين بالمائه. وأيا كانت طبيعة المتغيرات وقوى التضخم في الولايات المتحدة فسوف تتأثر بها كما كل العالم وما علينا إلا التحوط والاحتراز.

@SaudAlgosaibi