حسين السنونة - الدمام

عدم استماعه لنصيحة د. غازي القصيبي أخر «المخطوط».. الصويغ:

■ ماذا يمثل الشعر بالنسبة لك؟

- إذا ارتبط الشعر ارتباطًا وثيقًا بتجربة عاشها الشاعر، وارتسم بالصدق الفني والحس المرهف، فإنه سيؤدي إلى صناعة وجدان المتلقي والنهوض بذائقته وتكوين مشاعره بطريقة صحيحة، والشعر هو ديوان العرب القديم، وأظن أنه ما زال ديوانهم حتى اليوم رغم ظهور الألوان الأدبية الأخرى من بعده، كالرواية والقصة القصيرة والأدب المسرحي وغيرها من الفنون، وسيظل كذلك إلى فترة لا يمكن تحديد نهايتها.

■ حدثنا عن دخولك عوالم الشعر والقصة القصيرة والصحافة..؟

- عند بداية تعاملي مع الحروف أو تعاملها معي، كنت أكتب الشعر الذي كانت قراءاتي الأولى في عالمه الواسع، ثم امتد اهتمامي إلى فن القصة القصيرة باطلاعي على نتاج أساطين كتابة القصة من العرب والقصص العالمية المترجمة إلى العربية، وأصدرت مجموعة أقاصيصي «الخلاص» قبل طباعة ديواني الأول، أما فيما يتعلق بالصحافة فقد جاءت في مرحلة متأخرة، حينما التحقت بجريدة (اليوم) مصححًا، ثم تنقلت بين مناصبها المتعددة في جهاز التحرير.

■ تأخر صدور ديوانك الأول.. هل هو خوف من النقاد أم من المجتمع؟

- ليس بيني وبين المجتمع ما أخاف منه، وإنما أخاف النقاد، وقد تعرضت لموجات من النقد من قِبل بعضهم ممن أعيب عليه الخوض في مثالب العمل الأدبي دون إظهار محاسنه، وهو عيب يتكرر بأقلام العديد من النقاد، وأظن ظنًا لا يساوره الشك أن النقد الهادف هو ذلك الذي يُظهر مواطن القوة في الأعمال الأدبية بكل أشكالها، وليس الخوض في عيوبها فحسب، بمعنى أن النقد يجب ألا ينصب على إظهار أخطاء الأديب وتجاهل مواطن الجمال في أعماله، لا سيما ما يتعلق منها بالشعر على وجه التحديد.

■ هل عملك في الصحافة ظلمك كقاص وشاعر؟

- لا أظن ذلك، بدليل أنني كنت أنشر قصصي القصيرة وقصائدي في العديد من الإصدارات المحلية والخليجية والعربية، وأنا على رأس العمل مديرًا لتحرير صحيفة (اليوم) سابقًا، غير أن العمل الصحفي لا سيما إن كان الملتحق متفرغًا له تمامًا، له تأثيره على الكتابة الأدبية بكل أشكالها، بحكم أنه يقتطع من الأديب أوقاتًا ثمينة كان يمكن صرفها في تلك الكتابة غير الصحفية، غير أن ذلك لا يعني عدم قدرة الكاتب على الجمع بين العمل الأدبي والصحفي، وأحسب أنني تمكنت من تحقيق تلك المزاوجة إلى حد ما.

■ أين تجد الميل في نفسك أكثر؛ نحو الأعمال الصحفية أم الكتابة الأدبية؟

- في البداية، كنت أميل إلى كتابة الشعر قبل التحاقي بالصحافة؛ لوجود متسع من الوقت يسمح لي بالقراءة والكتابة، وعندما التحقت بالصحافة تركت كتابة الشعر والقصة لفترة قصيرة ثم عدت إليهما بعد ذلك، وبعد تقاعدي تفرغت تمامًا للكتابة الأدبية، وأصدرت ديواني الأول وأشتغل الآن على إصدار الديوان الثاني، وإصدار مجموعتي القصصية الثانية، وهذا لا يعني ترك تعاوني مع الصحافة بشكل نهائي، فالعامود اليومي الذي كنت أكتبه قديما بجريدة (اليوم) ما زال مستمرًا، وما زلت أكتب بعض المقالات الصحفية الأخرى بين الحين والآخر.

■ ماذا عن قصة عرض أشعارك على د. غازي القصيبي؟- زرت د. القصيبي -رحمه الله- في منزله بالرياض عندما كان وزيًرا للصحة، وعرضت عليه ديواني المخطوط، وقلت له إنني غير راضٍ عن الكثير مما فيه، ولهذا السبب أحجمت عن طباعته ونشره، لأني أعود دائمًا فأشطب بعض كلمات أبياته وأضيف كلمات أخرى إليها، فنصحني بعدم اللجوء إلى هذه الطريقة، بل طلب مني سرعة طباعته؛ لأنه يمثل مرحلة من مراحل الكتابة الشعرية التي لا بد أن تظهر للقراء كما هي دون تعديل، لكنني لم أمتثل لهذه النصيحة، ولذلك فقد تأخر إصدار الديوان فترة طويلة بعد تلك الزيارة.

■ من خلال نصوص ديوانك الأول تظهر موجة من العتاب بينك ومحبوبك المجهول.. لماذا؟

- قد يكون هذا صحيحًا، والعتاب يمثل أحد الأبواب التي تطرَّق إليها الشعراء في كل عصر، ولا أظن أنني غرقت إلى ذقني في هذه الموجة، فثمة أبواب أخرى تناولتها في معظم قصائد الديوان، سواء الخليلية منها أو القصائد الحرة التي جاءت في الباب الثاني، غير أن العتاب يمثل بالفعل نهجًا قد نراه واضحًا في أشعار الغزليين، وهو موجود بكثافة في أشعار عمر بن أبي ربيعة على سبيل المثال لا الحصر، ووصفه عميد الأدب العربي طه حسين أنه زعيم الغزليين، وهو كذلك بالفعل.

■ ماذا تقول لشباب اليوم من الكُتَّاب؟

- أقول لهم اقرؤوا أكثر مما تكتبون، فالقراءة هي خير وسيلة لصقل الموهبة التي ترتبط باستعداد الكاتب الفطري على مزاولة الكتابة التي ربما تتحول عند البعض إلى حرفة أو مهنة، ورغم انتشار وسائل التواصل الحديثة والشبكة العنكبوتية المعلوماتية والوسائل الاتصالية الأخرى، فإن استقاء المعرفة يعود في أساسه إلى الكتاب، فهو خير جليس في كل وقت وزمن.

■ مَنْ الشاعر الذي تحرص على الاطلاع على إنتاجه؟

- لا أقرأ لشاعر بعينه، ولا أظن أنني أهملت قراءة إنتاج الشعراء منذ العصر الجاهلي إلى عصرنا الحاضر، وبالتالي لم أتأثر مباشرة بأي شاعر قديم أو حديث، بل يهمني في الشعر صدقه الفني ورسمه لوحات واسعة من الأخيلة، وابتعاده عن الألفاظ الوحشية والمعاني الغريبة، وميله إلى الرمزية المبهمة حتى لا يخرج القارئ بعد قراءة مثل هذه الأشعار بخفي حنين.

■ ماذا تقول بعد سنوات طويلة من العمل الصحفي؟

- أقول إنها مهنة متعبة بالفعل، وصدق من قال إنها «مهنة المتاعب»، وأجمل ما فيها أنني تعرفت مباشرة على كبار المثقفين والإعلاميين، وستظل ذكرياتي معهم عالقة في ذهني، وتعلمت منها أيضًا المثابرة والمواظبة والصبر وحُسن التعامل مع الآخرين، وتقبُّل الرأي الآخر برحابة صدر.

■ هل لك طقوس معينة في الكتابة؟

- هي عادات وليست طقوسًا، فأنا أميل على سبيل المثال إلى الكتابة في وقت متأخر من الليل أو في وقت مبكر من الفجر، وأخلع ساعتي حين الكتابة حتى لا أشعر بمرور الوقت، ولا أبدأ في عمل إلا إذا وضعت نهاية له حتى إن لم أصل إليها في اليوم نفسه، وأعمد إلى تعطيل هاتفي أثناء الكتابة حتى لا تشغلني الاتصالات عنها.

■ كيف كان تعاون «أدبي الأحساء» أثناء طباعة ديوانك الأول؟

- اهتم رئيس النادي د. ظافر الشهري بمتابعة الديوان ومراجعته وطباعته وتوزيعه، ويعود له الفضل -بعد فضل الله- في خروج هذا العمل بالصورة الجيدة التي ظهر بها، ولهذا الصرح الأدبي بمحافظة الأحساء العديد من الجهود المظفرة التي أدت إلى مضاعفة الحِراك الثقافي، وخدمة الأدباء في محافظة تعج بالشعراء والكتَّاب والمفكرين.

■ ماذا تقترح لخدمة المثقفين والأدباء من قِبل الأندية الأدبية بالمملكة؟

- أقترح مضاعفة الجهد والبحث عن المواهب الجديدة ورعايتها، وأؤكد أيضًا أهمية التغطية الإعلامية لفعاليات المجالس الأدبية بمناطق ومحافظات ومدن المملكة، التي تحولت بدورها إلى مراكز ثقافية مهمة وحيوية، تؤدي من الأدوار الثقافية ما تؤديها الأندية الأدبية، ولا بد من تغطية فعاليات تلك المجالس والتجمعات الثقافية وإعطائها من الاهتمام ما تستحقه ويستحقه أصحابها.

«العتاب» نهج فني واضح في أشعار الغزليين

عملي بالصحافة لم يظلمني كقاص وشاعر