د. عبدالله محمد القرني

ارتبط البحث العلمي ارتباطا وثيقا بتطور المجتمعات وتقدمها حيث يعتبر من الأدوات الرئيسية في تحليل المشكلات وصناعة القرارات، بالإضافة إلى دوره المهم في صياغة الاستراتيجيات على جميع الأصعدة، بل إنه أصبح يعبر بشكل واضح عن الثقافة السائدة للمجتمع. لذا، أولت الدول المتقدمة البحث العلمي والدراسات أولوية كبيرة جدا واستثمرت فيها رؤوس الأموال الطائلة وأنشأت مراكز البحث العلمي والدراسات بشتى أنواعها واهتماماتها المختلفة.

ويعرف البحث العلمي على أنه هو منهج عمل منظم لجمع المعلومات وتدوين الملاحظات وتحليلها ودراستها بعد التأكد من صحتها لمعرفة جذور المشكلة ووضع الحلول المناسبة لها أو لابتكار طرق غير تقليدية للتعامل معها بأقل التكاليف ويمكن أن تكون هذه المشكلة عبارة عن ظاهرة اجتماعية أو سياسية أو مواضيع بحث طبية أو صناعية... إلخ.

فعلى سبيل المثال، نجد أن بعض الدول كرست جهودها في عمليات البحث ذات العلاقة بقطاع الزراعة؛ بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي أو ما يسمى الأمن الغذائي، والبعض الآخر استثمر الأموال الطائلة في مجال أبحاث المياه وتحليتها بغرض تحقيق الأمن المائي. وفي المجال الاجتماعي تشترك الدول في الاهتمام بأبحاث لها علاقة بظواهر اجتماعية سلبية في مجتمعاتها كالفقر والبطالة وغيرها؛ بهدف وضع الحلول الجذرية لها وتفادي تفاقمها وتأثيرها على المجتمع. كما يمكن أن تكون عمليات البحث ذات علاقة بمشاكل طبية حديثة أو مستعصية كجائحة كورونا على سبيل المثال والتي أثرت على العالم بأسره، لذا نجد أن جميع الدول استنفرت جميع إمكانياتها لتسابق الزمن لوضع حد لهذا الوباء وإيجاد اللقاح الفعال، والأمر نفسه في مجالات الأمن والدفاع.. إلخ.

كما يمكن الاستفادة من أدوات البحث العلمي في الدراسات الاستشرافية للمستقبل بحيث تقوم على جمع المعلومات وعمل التنبؤات لهذه المواضيع كمستقبل الطاقة والمناخ والأسواق والاقتصاد وغيرها؛ بهدف أن تكون لها قدم السبق والريادة في هذه المجالات. مما سبق يتضح أن عملية البحث العلمي مرتبطة بشكل كبير بحياة الفرد والمجتمع على حد سواء.

ولو تفحصنا واقع الحال تجاه هذا الموضوع الهام لوجدنا أن حوالي 52% من مراكز الأبحاث والدراسات الحكومية أو المستقلة موجودة في أوروبا وأمريكا بعدد يفوق 4000 مركز نصفها تقريبا في أمريكا يليها دول شرق آسيا والهند بحوالي 21% بينما لا تتجاوز 500 مركز في جميع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ونتيجة لذلك تتربع أمريكا على قائمة الدول الأكثر براءات اختراع لعام 2020م (44.293 براءة اختراع) تليها ألمانيا ثم اليابان ولا يوجد في القائمة سوى دولة عربية وحيدة وهي الإمارات في المرتبة 44 بعدد 71 براءة اختراع، وفي سياق متصل تحتل ألمانيا المركز الأول في عدد الابتكارات حسب مؤشر «بلومبيرغ» للابتكار لعام 2020م تليها كوريا الجنوبية ثم سنغافورة وصولا لأمريكا في المرتبة السادسة، بينما تقبع الدول العربية في مراتب متأخرة حيث تأتي الإمارات في المرتبة 44 والجزائر في المرتبة 49 بينما السعودية في المرتبة 53. ولعل من أهم أسباب قلة مراكز البحوث وضعف مخرجاتها في الدول العربية هي قلة والوعي والاهتمام وضعف التمويل وعدم وجود الأنظمة التأسيسية والتنظيمية لهذه المراكز بالإضافة إلى ضعف التعاون والعمل المشترك.

واستشعارا من القيادة الرشيدة لهذه الأهمية وامتدادا لكثير من جوانب التجديد والتطوير التي نعيشها فقد صدر مؤخرا قرار مجلس الوزراء بتشكيل اللجنة العليا للبحث والتطوير والابتكار التي ترتبط بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ويرأسها رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية سمو ولي العهد، ومن المتوقع أن تعمل اللجنة على تطوير مجال البحث والابتكار وتحديد الأولويات البحثية واستثمار مخرجات الأبحاث العلمية والتطبيقية بفعالية أكثر، مما سيحقق بإذن الله قفزات هائلة في هذا المجال وتحسن في جميع المؤشرات ذات العلاقة في السنوات القليلة القادمة.

@abolubna95