مطلق العنزي يكتب:

لم يكن الراحل فيصل الشهيل مجرد وزير يؤدي وظيفته صباحًا، ويأوي إلى فراشه في المساء، كان زهوًا للمكان، حيثما يحل، وحيثما يكون المكان. كان مدرسة في المكتب والمنزل والمنتديات وصفحات الإعلام، محيًا باسمًا ولغة دافئة وقلبًا رؤومًا.

كل الذين صادقوا أبا منصور، وجالسوه، يعلمون أن يديه ممدوتان، دائمًا، بالندى والنعمى. ويعرفون أنه، في فرحه وغضبه، دائمًا، نظيف اللسان، لطيف المعشر، عفو ومتسامح، وشديد الحساسية أن تبدر منه أو تكتب على لسانه أي كلمة غير مهذبة. فهو من الرعيل الذي تربَّى في مجالس الحكمة والإيثار والعطاء بلا انتظار الجوائز.

جرَّبتُ هذا عن قرب. العام الماضي، قبيل تفشي جائحة كورونا، جلست أيامًا إلى أبي منصور، رحمه الله، يُملي عليَّ جانبًا من مذكراته. وكان يُصرُّ، كثيرًا على إعادة كتابة الجُمَل، بحيث لا تُفسَّر بأنها تعريض بأي إنسان، مهما كانت حِدَّة الخصومة بينهما. يود أن تُكتب بنفس لطفه الودود. كنتُ أكتب عبارة قوية ومؤثرة، لكنه يُصرُّ على «التصحيح»، واستخدام مفردات ودودة. مثلًا، كان واضحًا أن «مستهتر» أو «لا مبالٍ» هو الوصف الصحيح لموقف شخص، وهو مؤمن بأن ذلك هو الوصف الصحيح، لكنه، يغضب ويحتد، ويُصرُّ على استخدام «كان حذرًا»، كي لا تُروَى عنه أي كلمة مسيئة بحق أي كان، حتى وإن مجهولًا. لا يهمُّه أن تكون العبارة مؤثرة، بقدر ما يهمُّه أن تنسجم مع تسامحه ولطفه. وتلك سجية تحلى بها أبو منصور، وقليل منا يهتمون بها، فأكثرنا، اليوم، مع الأسف، جموح عجل لتسطير الانتقامات.

رحم الله أبا منصور، كان فارسًا ونادرًا من الرجال، حتى أنه في ذروة المعارك الرياضية، واشتعال عالم الرياضة بالمنابزات، التي كثيرًا ما تنبذ الوقار والحشمة، لم تُروَ عن أبي منصور أي عبارات حادة أو مسيئة، لهذا لم يجرؤ أي من الكُتَّاب والمعلقين الرياضيين الجامحين ذوي الأقلام المسمومة، على النيل من أبي منصور او التجاوز بحقه، احترامًا لأدبه ولطفه ونظافة لسانه وكرمه.

اللهم ارحم فيصل الشهيل، الرجل الذي عرفناه لطيفًا ودودًا، وعطر المجالس. واغفر له وأسكنه فسيح جناتك، وألهم أهله ومحبيه جميل الصبر وعظيم الأجر.

* وتر

الوطن.. يودع الشاهد والشهيد

الرجال الذين كابدوا العوز والعازة

وكتبوا التاريخ بالبهجة وملاوعة التحديات

وعانقوا وطن الروائع يسمو ويشمخ بالزاهيات

malanzi@alyaum.com