مشعل أبا الودع يكتب:

عندما تراها لأول مرة تطل عليك كأنها الكوب الذري في الأفق، أو كأنها الأميرة العنقاء، التي انتظرت طويلا أن تطل عليك من برج القلعة، أو كأنها شفق قطبي يغمز للنهار ويعانق الليل، وبينهما يخلق بجماله سحرا آخاذا. هي الأرواح الجميلة، التي تروق لنا مصاحبتنا وتليق بنا مجالستها، التي بصفائها وبراءتها تترك عميقا في كل مَنْ يلتقي بها...

أرواح مختلفة عن باقي البشر، نور بداخلهم مكشوف وظاهر يبعث السلام والطمأنينة في الناس عبر الأزمان والقرون. أينما حلوا ينشرون وحيهم الإلهي، ويلهمون كل مَنْ التقى بهم. أينما ارتحلوا هم معلمون حقيقيون بالفطرة للحكمة، التي يستمتعون بها...

كل شيء فيهم عفوي وتلقائي مما يزيد من مصداقية مشاعرهم وشفافية قلوبهم وصفاء أصواتهم، التي تتخلل كل خلية فيك وتظل تتردد بداخلك مدى الحياة. هي أرواح انتقلت في الخالدين وبقي صيتها حاضرا يسافر عبر الأماكن والأزمان، حيث جعلت من إتقان العمل عنوانا، ومن الإحسان منهجا، فبقيت معلقة إلى الأبد برفوف مكتبة الأرواح الخفيفة...

جميلو الأرواح يأتون ويغادرون عن كتب، جاذبيتهم مفرطة لأن شعارهم هو العطاء ونشر السعادة، لإيمانهم الوثيق بأن هذا الثنائي هو المحور، الذي تدور عليه الحياة بأكملها؛ فهم يتناغمون مع كل إيقاعات هذا الكون، لهذا يقدمون أجمل ما لديهم ويغادرون تاركين خلفهم أثرا جميلا خالدا...

في حياتنا لكل منا مصباحه المنير، سواء كان عالما أو معلما أو صديقا، تجلى أثره من خلال أعماله ومكارم أخلاقه من صدق واحترام وإخلاص...

فكل ما يقوم به المرء من خير أو شر يبقى خالدا إلى الأبد، يغادر هو وتبقى أعماله شاهدة عليه....

ما يجهله الكثير هو أن كل ما يصدر منا من أقوال أو أفعال حتما ستعود علينا في يوم من الأيام، أما وقعها فيظل عالقا إلى الأبد في ذبذبات هذا الكون. قد يبدو كلامي هذا غريبا لكن الله عز وجل جسده في كتابه الكريم بقوله: «إنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ». فالله يكتب كل آثار الخير وآثار الشر، التي كنت أنت سببا في صنعها في حياتك أو بعد مماتك...

لا تسأل نفسك عن الكم ولا الكيف، فليس عليك أنت أن ترسم الطريق، لكن كل ما عليك فعله هو أن تسعى إلى إصلاح ذاتك وتحديد الرسالة السامية، التي ترغب في تأديتها، ساعتها سيرشدك الله إلى بلوغ هذا المبتغى...

alharby0111@