صفاء قره محمد ـ بيروت

يأسف وزير خارجية لبنان الأسبق فارس بويز لما آلت إليه وزارة الخارجية اللبنانية في عهد الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس التيار «الوطني الحر» جبران باسيل، قائلا: «دمرت الخارجية سياسيا عندما تولاها جبران باسيل الذي جعلها مؤسسة تنحصر بشخصه»، جازما بأن «الخارجية أصبحت مركزا حزبيا»، لافتا إلى أن «وزير الخارجية شربل وهبة من أزلام باسيل، وموقفه حيال الدول الصديقة تاريخيا وتقليديا للبنان ليس موقفا بريئا أو بمنزلة الخطأ بقدر ما هو يمثل رأي زعيمه باسيل».

وفي حوار خص به «اليوم»، يجزم الوزير الأسبق فارس بويز بأن «معظم المواقف التي صدرت في السنوات الماضية عن وزراء الخارجية المتعاقبين كانت مواقف تندرج في سياق سياسة التحالف مع إيران وحزب الله وضد الدول العربية عموما ودول الخليج خصوصا»، مشددًا على أن كلام وهبة هو «مزيج من الغباء والمصالح»، موضحا أن «عون نتيجة تحالفه مع حزب الله عليه تبنى كل نظريات الحزب، ومنها أن يتبنى عداوات حزب الله وخصومه، وهذه حقيقة ما يحصل».

ويشدد بويز على أن ما قام به وهبة تسبب بمشكلة وفتنة داخلية، حيث إن هنالك شريحة كبيرة من الشعب اللبناني تؤيد المملكة ودول الخليج، كما أن المملكة العربية السعودية معروفة بأفضالها على لبنان في دعمه سياسيا واقتصاديا وإنسانيا» فإلى نص الحوار:

«الخارجية» مركز لباسيل

* إلى أي مدى تمّ خرق الدبلوماسية اللبنانية مع الأشقاء العرب خلال العشر السنوات الأخيرة؟

ـ في الحقيقة ما نعيشه اليوم في لبنان أن وزارة الخارجية قد دمّرت سياسيًا عندما تولاها الوزير جبران باسيل، الذي ألغى وزارة الخارجية كمؤسسة وجعلها تنحصر بشخصه، بحيث لم يعُد السفراء يحضرون المؤتمرات والاجتماعات، ولم تعُد هنالك محاضر، ولم يعُد السفراء العائدون إلى لبنان بإمكانهم مقابلة وزارة الخارجية، ودخلت السياسة الداخلية على الخارجية، بحيث أصبحت وزارة الخارجية مركزًا حزبيًا، وأصبح الموظفون في الخارجية من لون واحد أي من لون التيار الوطني الحر. من هنا، لا بد من القول إننا منذ سنوات فقدنا وزارة الخارجية كمؤسسة وأصبح باسيل يستعملها إما لحروبه الداخلية أو الخارجية وإما لنفسه، ولا نزال حتى الآن ضمن هذا الواقع، بحيث إن الوزير الحالي (شربل وهبة) هو من أزلام جبران باسيل وهو ينفذ ما يطلب منه، وموقفه حيال الدول الصديقة تاريخيًا وتقليديًا للبنان ليس موقفًا بريئًا أو بمنزلة الخطأ بقدر ما هو يمثل رأي زعيمه.

صفقة الحزب والتيار

* يبدو أن هنالك مخططًا يجرى تنفيذه بالتنسيق بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر، من خلال توريط لبنان بمشكلات مع العالم العربي لجرّه أكثر نحو المحور الإيراني، ما رأيك بذلك؟

ـ ليس جديدًا أن السلطة في لبنان ممثلة برئيس الجمهورية أو بنهج جبران باسيل أو التيار الوطني الحر، متجهة منذ مدة للابتعاد عن صداقات لبنان العربية والتقليدية والابتعاد عن المملكة العربية السعودية ودول الخليج، والالتزام بسياسة حليفهم الإيراني، وهذا الأمر ليس سرًا، ومن هنا نلاحظ أن معظم المواقف التي صدرت في السنوات الماضية كانت مواقف تندرج في سياق هذه السياسة، أي سياسة التحالف مع إيران وحزب الله وضد الدول العربية عمومًا ودول الخليج خصوصًا.

غباء ومصالح

* برأيك ما الهدف من فك ارتباطنا بالعالم العربي، هل هو فرض إيران كأمر واقع على لبنان واللبنانيين؟

ـ هناك مزيج من الغباء والمصالح، بمعنى أنهم يعتقدون أنهم بذلك يسترضون حلفاءهم، فمن الواضح جدًا أن الرئيس ميشال عون أتى إلى سدة الرئاسة من خلال تحالف وصفقة بينه وبين حزب الله، ومقابل أن يصل إلى رئاسة لبنان ويكون رئيسًا للجمهورية عليه تبني كل نظريات الحزب، ومنها أن يتبنى عداوات «حزب الله» وخصومه، وهذه حقيقة ما يحصل خلال هذه السنوات التي تولى فيها عون الرئاسة.

علمي لبنان والسعودية على صخرة الروشة في بيروت بمناسبة اليوم الوطني للمملكة (اليوم)


فتنة داخلية

* صدرت جملة مواقف شاجبة ومستنكرة كلام وهبة، وذهبت معظمها بوصفه أنه وزير خارجية «حزب الله»، كيف تقرأ تلك الإهانة للدولة اللبنانية، والتي تسبب بها عهد ميشال عون؟

ـ إن وظيفة أي وزير للخارجية هي تصحيح ومعالجة أي أزمة تخلق مع أي طرف خارجي، وليست خلق أزمة مع طرف خارجي، ولذلك فإن موقف وزير الخارجية المستقيل هو موقف خارج عن نطاق عمله، ثانيًا فإن مهمة وزير الخارجية هي الدبلوماسية أي يكون المفاوض اللبق ـ المثقف ـ البليغ، صاحب المنطق والعلم، وهذا أمر جديد بأن يتكفل وزير خارجية بخلق مُشكل في علاقات لبنان الدبلوماسية بدلًا من معالجته، خصوصًا مع دولة مثل المملكة العربية السعودية المعروفة بأفضالها على لبنان في دعمه سياسيًا واقتصاديًا وإنسانيًا، الأمر الثالث هو أن وظيفة وزير الخارجية هي أن يأخذ قرارًا وطنيًا، وأن يسوقه وليس أن يسوق قرارًا لا يشكل إجماعًا لبنانيًا حوله، وهو يعلم أن للمملكة العربية السعودية أصدقاء وأحباء في لبنان وهم شريحة كبيرة جدًا من الشعب اللبناني. لذلك، فليس من المنطق أن يتبنى وزير الخارجية موقفًا يخلق فتنة داخلية، فما حصل أمر لا يتعلق فقط بالخارج وإنما يرتبط بالداخل، والبرهان على ذلك أن البلد اليوم منقسم، والشعب اللبناني يقف في وجه العهد، ومن يمثله، رافضًا المساس بالمملكة ودول الخليج العربي، كما أنه ليس أمرًا طبيعيًا أن يتحول وزير الخارجية إلى مشروع فتنة في الداخل والخارج.

لا يمثل لبنان

* كم هو مُحرج موقف ميشال عون عندما قال إن كلام وزير خارجيته لا يمثل موقف الدولة اللبنانية؟

ـ هذا أمر غير صحيح، فالوزير شربل هو من الملتزمين بخط وخطى جبران باسيل ومن أزلامه وهذا الأمر هو الذي أوصله إلى وزارة الخارجية، لا بسبب كفاءاته او عبقريته تم تعيينه وزيرًا للخارجية، جُلّ ما أتى به إلى ذلك المنصب هو ولاؤه عندما كان موظفًا في الخارجية إلى باسيل، لذلك لا يستطيع عون القول إن كلامه لا يمثلهم، لا بل هو يمثلهم، ومرتبط بهم، وقال ما قاله اعتقادًا منه أنه بذلك يرضيهم. إن كان عهد الرئيس عون غير موافق على ما قاله وزيره فعليه فورًا كفّ يده، وتعيين وزير بالوكالة بدلًا منه. وكان من المفترض من رئيس الجمهورية أن يتحرك فورًا ومباشرة والاتصال بالملوك ورؤساء الدول التي تناولها شربل بكلامه وأن يعتذر منهم، ويؤكد لهم أنه سيكف يدّ هذا الوزير، لهذا فإن ما قام به رئيس الجمهورية أمر غير كافٍ.

المشكلة ليست دبلوماسية

* إلى أي حدّ تؤيد أن المشكلة التي تسبب بها وهبة أزمة جديدة تضاف إلى أزمات الشعب اللبناني، في الوقت الذي كان ينتظر فيه بارقة أمل؟

ـ لا يمكننا أن نصفه بمشكل دبلوماسي بسيط أو عادي، المشكل لم يحصل مع دولة غريبة أو بعيدة عن لبنان، لا بل حصل مع دولة ودول لها تعاطف كبير لدى الشعب اللبناني، ومع دول لديها دور إستراتيجي في مواكبة الأزمات في لبنان، ويعول عليها في دعم البلاد سياسيًا واقتصاديًا، وإنسانيًا وغيرها، فحجم الجريمة أكبر مع هذه الدول بالذات، فالقضية ليست نزاعًا دبلوماسيًا بسيطًا مع دولة بعيدة أو دولة لا تربطنا بها علاقات، إضافة إلى أنه أوجد مشكلة داخلية وطائفية، فهنالك شريحة كبيرة معترضة على هذا الكلام، ولذلك هنالك وفود سياسية ستقوم بزيارة السفارة السعودية في بيروت داعمة وشاجبة ما صدر عن وهبة.