شيخة العامودي

سطع اسمها على شاشة الهاتف، أجبتها سريعا مقاطعة عملي، تحدثت بإسهاب وخضت معها ألوانا من المشاعر المبهجة، كنت أحسن الإصغاء وأجود بكلمات قليلة وضحكات، فأحيانا الغائب لأيام يحتاج أن تحتويه بصمتك وتتجنب الأحاديث، قبل أن تقفل اعتذرت بلباقة عن غيابها فأجبتها بحديث مبتسمة بود مخارجه «أتفهم غيابك» وأقفلت بعد حديث ضاحك يعكس روحها المرحة غالبا.

تأملت للحظة علبة أنيقة جميلة محاطة بعناية بإطار لونه يبرز الـ 36 لونا بتوافق تام رغم اختلافهم، ركزت على تدرجات الألوان فكانت كل مجموعة تنتمي للون ثم تتخفف درجته إلى أن يصل لدرجة أخرى تجمعها بالأصل العودة عكسيا على سلم الألوان، تلك التحفة من الألوان التي استقرت على طاولتي جعلتني أرسم لوحة المشاعر المتباينة التي في الأصل تعود لمنبع واحد «الشعور».

الشعور نواة كل المشاعر التي تبرز في طفولتنا بكل صخب فنحن نسعد ونعبر عن السعادة، نخاف ونشعر غيرنا بوضوح بمدى خوفنا ونحزن ونتحدث عن حزننا ببوح لا يستوقفه شيء، وهكذا كل مشاعرنا كالحب، القلق، المرض، التعاطف، المفاجأة،، الامتنان.....

نكبر مع الأيام ونتعلم تدرج المشاعر ونخضعها لتغيرات جسيمة بل أحيانا نخفيها ببراعة ونكسبها لونا جديدا ودرجة فريدة وصيغة قد لا يراها سوانا وقد يلمحها شخص مشاعره بحس الألوان عميقة فيفهم كل تدرجات الألوان ويصل إلى الباهت منها الذي يكاد لا يبان.

من الألوان التي تتبع الحالك من التدرجات «الاكتئاب» لون يمتزج بدقة مع الأحزان، منشأه قد يكون ناتجا عن الإحباط أو القهرأو مصدرا من مصادر سوء تقدير الإنسان كرفع سقف التوقعات.

الاكتئاب يمتزج بسهولة مع سلسلة من الألوان فتجده يبرز في لوحة اللحظات على حين غرة، مثلا تجد صاحبه بعد سرور شديد يجنح له، أو يأخذه له حزن عميق أو يمتزج ببراعة مع صمت رهيب قد تظن أن صاحبه لا يتنفس يشعرك بنبضه فقط تأففه المتتابع أو تنهيدته العميقة التي ليس لها قرار، قد يشعرك المكتئب بأنه على ما يرام ويجاريك بابتسامة أثناء حديثك ثم يغيب !؟

يغيب المكتئب في عالمه ينظر للوحات أيامه مهما كانت ملونة من خلال ظلام دامس يسقط في العزلة ويتنفس وجعا يصبح غير قادر على مجاراة القريب قبل الغريب، يطلب مهلة من الكون والبشر حوله فينزوي وحيدا، تمر عليه تدرجات الاكتئاب حالكة ثم شيئا فشيئا يبدأ بالجنوح لبوادر الإشراق إلى أن تتتابع الفواتح من الألوان ليغدو صحيا مقبلا على الحياة.

هذا العارض وما يصاحبه من تلون الأحوال يجب أن يعذر صاحبه بتفهم إذا آثر الانزواء والصمت العميق وتجنب الرسائل والرد على المكالمات هو يريد أن يتخلص من عوالق يمر بها لحين ليعود كما هو مشرق دون الحاجة ليشاركنا لحظات ضعفه، فلنتركه كما يشاء ولا نقحمه في ثنايا إطارنا رغما عنه فقد تختل به دون وعي زوايا المكان لأنه لم يعود صغيرا ليظهر مشاعره دون تدرجات.

علبة الألوان تلك من يتأمل حديثها يظهر له بكل وضوح ما الذي تستطيع أن تغيره وتكسبه لنا الأيام.

ALAmoudiSheika@