د.أحمد الألمعي

‏انتشرت أعداد المصابين بفيروس كورونا حول العالم منذ بداية الجائحة، ووصلت ‏إلى أرقام فلكية في بعض الدول بأوروبا وأمريكا وآسيا، ونتيجة لذلك حصلت تغييرات على عدة مستويات أسرية واجتماعية ونفسية كبيرة شملت العاملين في جميع القطاعات، وبالأخص في القطاع الصحي.

مظاهر التغيير في مجتمعنا شملت التباعد الاجتماعي ولبس الكمامات، بالإضافة إلى استعمال تطبيقات مثل «توكلنا» و«تباعدنا» و«أنات»، التي تظهر الحالة الصحية للشخص، كما أن هناك قياس الحرارة عند دخول المولات والمنشآت وغيرها من مظاهر الحرص الموصى بها. واضطر الكثير من الموظفين للعمل في المنزل، وتم إقفال بعض المحلات والمنشآت وحتى المساجد لأسباب تتعلق بالعدوى والإصابات أو عدم التقيد بتعليمات الحرص والسلامة.

ورب ضارة نافعة، فقد تم التقليل من إنفاق الأسر بشكل واضح، وتعلم الكثير منا الاقتصاد في عدة نواحٍ، واختفت مظاهر البذخ في الأفراح والولائم، وقمنا بتجنب السفر والكماليات. وقد حصل ذلك في وقت نحن في أمس الحاجة إلى التخفيض في النفقات، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار نتائج جائحة الكورونا الاقتصادية، التي عمت جميع أنحاء العالم.

وكان تعامل قيادتنا الرشيدة في المملكة مثلا مشرفا لحسن التخطيط والعناية بالمواطن. وقد أصدر خادم الحرمين الشريفين مرسوما بتوفير الفحوص والعلاج وحتى اللقاحات مجاناً للجميع، مواطنين ومقيمين على حد سواء. وقد تم توفير اللقاح المجاني لأكثر من عشرة ملايين مواطن ومقيم في المملكة للآن، مما ساهم في تقليل أعداد الإصابات، خاصة الحرجة منها. ولا أدل على صواب قرارات القيادة، من النتائج الملموسة، التي فاقت كل التوقعات، وأصبحت المملكة نموذجا للدول الأخرى في التعامل مع الأوبئة. ففي حين فشلت كثير من الأنظمة الصحية في دول متقدمة، وبينما تعاني كثير من الدول مستويات عالية من الإصابات الحرجة والوفيات تهدد بكوارث في هذه الدول، حققت القطاعات الصحية في المملكة نجاحات كبيرة في السيطرة على الجائحة برغم الزيادة النسبية في أعداد الإصابة مؤخرا، ولم نضطر إلى اللجوء إلى مستويات عالية من الحجر الصحي وإقفال للمنشآت للتعامل مع الإصابات كما هو حاصل حاليا في كثير من الدول، التي عانت من ضغط شديد على أقسام العناية المركزة في المستشفيات، يهدد بفشل القطاع الصحي كما حصل في بعض الدول المتقدمة. وأود أن أذكر في هذ السياق مجهودات وتفاني العاملين في القطاع الصحي في المملكة العربية السعودية، الذين أثبتوا كفاءتهم وتفانيهم أثناء الجائحة.

وقد زادت ‏أعداد المصابين من العاملين في القطاع الصحي في بعض الدول حتى إن بعض التقارير‏ أشارت إلى إحصائيات ‏تصل إلى نسبة 20 أو 30% من العاملين في بعض المستشفيات قد أصيبوا بعدوى كوفيد 19. ونتج عن ذلك نقص كبير في أعداد العاملين بالقطاع الصحي ‏في فترة احتياج كبير إلى خدماتهم. ‏وكان للعاملين في القطاع الصحي بالمملكة العربية السعودية نصيب من تلك الصورة، فقد تداولت الأوساط الطبية أنباء إصابات ‏ووفيات عدد من العاملين في القطاع الصحي في بداية الأزمة، ولكن مع التخطيط السليم والقرارات المدروسة تناقصت الأعداد وتم التحكم في إصابات العاملين في القطاع الصحي. والنتيجة هي القدرة على تحكم أكبر في الجائحة، وضغط أقل على المنشآت الصحية، كما أنه سيتم فتح حدود المملكة للسفر والتنقل بضوابط مدروسة في خلال فترة ما بعد عيد الفطر بإذن ألله.

وكملاحظ من خلال مهنتي كطبيب ممارس لقرابة الثلاثين عاما، فقد تسببت هذه الجائحة في الكثير من التغييرات في مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وسيسجل التاريخ هذه التغييرات في جميع شرائح المجتمع لمدة قد تطول أو تقصر. نسأل الله السلامة للجميع.

2@almaiahmad