د. عبدالله محمد القرني

تحدثت في المقال السابق (الطاقة المتجددة ترف أم حاجة ملحة؟) عن البدائل المتاحة لإنتاج الطاقة عوضاً عن استخدام الأسلوب التقليدي القائم على حرق الوقود الأحفوري، وقد خلص المقال إلى أن التحول إلى تقنيات الطاقة المتجددة أصبح ضرورة قصوى وليس مجرد ترف، ويمكن العودة للمقال لمزيد من التفاصيل حول مبررات هذه النتيجة. وامتداداً لنفس الموضوع، فإن من الأمور، التي سوف تعززها استخدام أساليب الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما هو إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر كمصدر وقود نظيف بديل عن الوقود الأحفوري التقليدي، وقد بدأ بالفعل التوجه لهذا النوع من الوقود وبحماسة أكبر على المستوى العالمي منذ بداية الألفية الحالية، بالإضافة إلى أنه أصبح من المستهدفات الرئيسية للمملكة كونها بلدا رياديا في مجال الطاقة ولديها اهتمام كبير بالمحافظة على سلامة البيئة.

ويتم إنتاج الهيدروجين عادة من خلال عملية تحليل الماء، وفصل عنصري الأكسجين والهيدروجين عن بعضهما، ويمكن أن تتم هذه العملية بعدة طرق مختلفة وتبعاً لهذه الطرق، فإنه يوجد لدينا ثلاثة أنواع من الهيدروجين، النوع الأول وهو الهيدروجين الرمادي، حيث يتم إنتاجه عندما يتم تعريض الوقود الأحفوري لبخار الماء وينتج عن هذه العملية عنصرا الهيدروجين والأكسجين، بالإضافة إلى انبعاثات كربونية نتيجة عملية حرق الوقود الأحفوري وفي حال تم عزل الكربون في عملية لاحقة، فيسمى ذلك بالهيدروجين الأزرق. بينما يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر من خلال عملية التحليل الكهربائي للماء إلى عنصري الأكسجين والهيدروجين فقط باستخدام الطاقة الكهربائية النظيفة المنتجة من محطات الطاقة المتجددة، وبالتالي فإنه لا يوجد أي انبعاثات كربونية تضر البيئة نتيجة لعملية الفصل، ولذلك سمي بالهيدروجين الأخضر.

وتعد المملكة العربية السعودية بلداً مثالياً لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وقد بدأت فعلياً الدخول في هذا المجال وبقوة، وذلك من خلال إنشاء أكبر وحدة في العالم لإنتاج الهيدروجين الأخضر في مدينة نيوم باستثمارات بلغت 5 مليارات دولار ويقدر حجم الطاقة اللازمة لتشغيل هذه الوحدة بحوالي 4 جيجاوات، سيتم توفيرها من الطاقة الكهربائية المنتجة من وحدات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ومن المتوقع أن يتم إنتاج حوالي 650 طناً يومياً من الهيدروجين الأخضر، وبذلك تعد المملكة الدولة الأولى عربياً والخامسة عالمياً في اقتصاد الهيدروجين حسب مؤشرات بلومبيرغ متفوقة في ذلك على دول متقدمة تكنولوجياً وصناعياً مثل أمريكا وألمانيا لديها نفس الاهتمام، وتشير التوقعات إلى أن حجم الاستثمار العالمي في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر سوف يصل إلى قرابة 200 مليار دولار في العام 2023م.

ومن المحفزات، التي تشجع المملكة الدخول إلى هذا المجال هو ما ذكره سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في منتدى دافوس وهي الميزة الكبرى، التي تتمتع بها المملكة في إنتاج الهيدروجين الأخضر بتكلفة أقل، وذلك من خلال استغلالها للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، اللتين تملك المملكة المقومات الرئيسية والطبيعية لهما من حيث المناخ والموقع الجغرافي وتوافر الصناعات المساندة. يضاف إلى ذلك، فإن عملية إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام الهيدروجين الأخضر ستكون البديل المناسب لزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة في المناطق، التي قد لا تتوافر فيها مقاومات استخدام طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى إمكانية تخزينه لفترات أطول.

وأخيراً، فإن من المحفزات الرئيسية أيضاً للدخول في هذا المجال هي المبادرة، التي تبنتها المملكة في المحافظة على سلامة البيئة وذلك من خلال العمل الجاد في استخدام كل البدائل المتاحة والوسائل الممكنة، التي تؤدي إلى التقليل من الانبعاثات الكربونية وجعلت ذلك من المستهدفات الرئيسية والإستراتيجية لها.

@abolubna95