نادية مشاري العتيبي

هذا شهر البركة بنوره وعطره، قد حضر بخيره وقدسيته، دخل ليستجلب قوة الإرادة، ويربي خلق الصبر، ويقوي الاحتمال في مواجهة تحديات وثقل مصاعب الحياة لدى المسلمين، رمضان ليس فقط مجرد شهر لتأدية فريضة الصوم والكف عن الطعام والشراب، إنما هو تربية وتعليم: يصنع من المسلم شخصا قوي الإرادة والعزيمة لمواجهة نفسه أولا وتهذيبها في أخذ ما ينفعها وترك ما يضرها وفي كل سلوكياتها وحصرها في مجال الطاعات والعبادات والتقرب لله سبحانه وتعالى حتى ينال ما يتمنى من الجزاء والثواب العظيم، وحتى يصل بها إلى تلك المرحلة التي يصبح فيها الابتلاء: من مرض وفقر وضعف وقلة، اختبارا وطريقا إلى الدرجات الرفيعة، درجات الصابرين الواثقين بربهم، ويصبح النعيم والرزق والصحة، اختبارا في العطاء والبذل والصدقات ومنافذ للخير والجود لكسب أجر المنفقين وثواب الحامدين الشاكرين.

وإذا استطاع المسلم أن يجعل من شهر رمضان بداية لكل خلق قويم وعلاقة وثيقة بينه وبين ربه عز وجل وبين الناس فهو بلا شك قد حقق المبتغى واستغل بركات هذا الشهر. إن كنت مقصرا بالالتزام في صلاتك، في صدقاتك، في أذكارك وخباياك بين نفسك وبين الله، فهذا الشهر هو فرصتك لتبدأ، ليس فقط لتبدأ ولكن لتستمر ويكون هذا ديدنك على مدار العام. يحتاج الإنسان دائما نقطة بداية روحية ينطلق منها ليجد ذاته في أفضل صورها ويخلو بها خلوة العابد المخلص لينبثق النور من داخله بعد ذلك مضيئا الطريق لشخص جديد متخففا من عتمات الدنيا، فهو كالمسبار الذي يبدأ من أرواحكم وحتى ينتهي بأجسادكم.

وإن لرمضان مظاهر حانية وعادات ارتبطت به وحده وأصبحت لها قدسيتها لدى الجميع: الاجتماعات العائلية على سفرة الإفطار، تزيين المنازل بالفوانيس بطريقة متشابهة تقريبا لدى الجميع مما يوجد رابطا جميلا وصلة لطيفة بين الناس، مدفع الإفطار الذي ارتبط فقط برمضان وأصبح الجميع ينتظر صوته مصاحبا لوقت أذان المغرب معلنا بذلك انتهاء وقت الصيام وبدء الإفطار، ويالفرحة المسلم وقت فطره وشعوره بأداء الفريضة تامة وقربه من ربه في تلك اللحظة حتى أن دعوته مستجابة لا ترد. سبحانك ربنا ما أرحمك.

@Nadia_Al_Otaibi