هناء مكي

بدأت ارتدادات الأزمة على الأسواق اليوم تتضح أكثر بعد عام محفوف بالمخاطر، والنتائج متوقعة، تراجع في بعض القطاعات الحيوية التي كانت تحتاج لوقت لمعرفة انعكاس الأزمة عليها، ويبدو ذلك جليا في جميع الدول بلا استثناء، على الرغم من الانتعاش الواضح الذي بدأ منذ الفتح الحذر للأسواق.

وبحسب تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لصندوق النقد الدولي الصادر مطلع أبريل الجاري، فلا تزال تداعيات صدمة جائحة كوفيد 19 مستمرة في أسواق العمل، حيث ألحقت ضررا بالغا بالشباب والعمال ذوي المهارات المحدودة على وجه الخصوص. وهناك تسارع في اتجاهات التشغيل التي بدأت قبل الجائحة والتي تؤثر على الوظائف التي يمكن الاستعاضة عنها بالتشغيل الآلي، وأشاد التقرير بالسياسات التي تدعم سوق العمل للحفاظ على الوظائف مبينا أنها ذات فعالية كبيرة في الحد من الندوب المترتبة على صدمة الجائحة الحادة وتخفيف الآثار المتباينة الناجمة عنها. ومع انحسار الجائحة واستقرار التعافي بصورة عادية، يمكن أن يساهم التحول إلى تدابير الدعم القائمة على إعادة توزيع العمالة في خفض البطالة بسرعة أكبر وتيسير التكيف مع الآثار الدائمة لصدمة كوفيد 19 على سوق العمل.

إشكالية سوق العمل الأخرى تكمن في ضعف الاستثمارات الخارجية أو ضعف قوانين العمل المحلية التي تلزم المستثمرين بجعل العامل المحلي ذا أولوية في خيارات الاستغناء عند الأزمات الطارئة وهذا الأمر يكمن في تفاصيل التشريعات المختصة بسياسة جذب الاستثمارات الخارجية.

وفي تقرير البنك الدولي الصادر أبريل الجاري، هناك قلق من تتابع الاقتصادات الصاعدة والنامية ارتفاع أسعار الفائدة، وبحسب التقرير معظمها يواجه تباطؤا في وتيرة التعافي الاقتصادي أكبر مما تواجهه الاقتصادات المتقدمة، نظرا لفترات انتظارها الأطول إلى حين الحصول على اللقاح ومحدودية الحيز المالي المتاح لها كي تقوم بدفعتها التحفيزية. وقد ظهرت دلائل على أن تدفقات رأس المال الداخلة إلى الأسواق الصاعدة بدأت تنضب. وما يخشى حدوثه الآن هو أن تتكرر نوبة الاضطراب التي وقعت في 2013، حين أدت مؤشرات مبكرة للتراجع عن عمليات شراء السندات الأمريكية إلى اندفاع تدفقات رأس المال إلى خارج الأسواق الصاعدة.

في حين كان تقرير الراصد لصندوق النقد الدولي الصادر في أبريل الجاري، يشيد بالدعم المالي والذي حال دون حدوث انكماشات اقتصادية أكثر حدة وفقدان المزيد من الوظائف، ولكن في الوقت نفسه، أدى هذا الدعم، مع انخفاض الإيرادات، إلى زيادة العجز والدين الحكوميين حتى بلغا مستويات غير مسبوقة عبر كل البلدان في مختلف مجموعات الدخل. ووصل متوسط العجز الكلي كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020 إلى 11.7% بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، و9.8% بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة، و5.5% بالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل. وقد تباعدت مسارات البلدان من حيث القدرة على زيادة الإنفاق. فجاء ارتفاع العجز في الاقتصادات المتقدمة وعدد من اقتصادات الأسواق الصاعدة نتيجة لزيادة الإنفاق وانخفاض الإيرادات بأحجام متساوية تقريبا، بينما كان السبب الرئيسي في انهيار الإيرادات لدى العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة ومعظم البلدان النامية منخفضة الدخل هو في الأساس انهيار الإيرادات الذي أحدثه الهبوط الاقتصادي. ومن المتوقع أن ينكمش عجز المالية العامة في معظم البلدان في هذا العام 2021 مع انقضاء أجل الدعم المرتبط بالجائحة أو انحساره، وحدوث بعض التعافي في الإيرادات، وانخفاض عدد طلبات الحصول على إعانات البطالة.

انكماش العجز لا يعني زواله، ولكن في كل الأحوال الأمر يسير بوتيرة متوقعة وهو ما يبعث على الطمأنينة فأي هزة غير متوقعة من شأنها أن تفقد السيطرة على الاقتصاد العالمي. فتعرض بعض الأسواق لإصابة أكبر من غيرها أمر متوقع مع انحسار مؤشر الضبابية عنها بعد أكثر من عام، ولكن الأمر لن يطول وفق مؤشرات التعافي السريعة، وقدرة العالم على التجاوز، وإن كانت هناك خسارة في كل الحالات إلا أنها يجب أن تكون بداية وليست نهاية، وإشارة للتغير الملزم.

hana_maki00@