خالد الكيال - الدمام

تعتمد على المواقف التراجيدية وتعكس معاني إنسانية نفتقدها في زماننا

من صميم المعاناة والآلام التي يعيشها حارس المدرسة الفقير «شليويح» وسائق الشاحنة البسيط «ناشي»، تولد الضحكات القلبية والمواقف الطريفة في الكوميديا الاجتماعية المستمدة من حقبة السبعينيات «شليوي ناش» التي تذاع في رمضان.ما موقع الحب من حياتهما؟ وهل ستصمد المبادئ والقيم التي تربيا عليها في وجه مطبات الحياة وقسوتها؟

ويؤكد عبدالله السدحان أنه وجد نفسه في شخصية «شليويح» لدى قراءته الأولى للنص الكوميدي الذي كتبه عبدالله السعد، وحول طبيعة الدور الذي يقدمه في العمل، يقول: ألعب دور حارس في مدرسة للبنات، تلك المهنة لم يخترها «شليويح» بملء إرادته، ولكن فرضتها عليه الظروف المالية والمعيشية التي حتمت عليه إيجاد أي وظيفة بغض النظر عن مسماها، ويعيش شليويح مع والدته، ويضطر لقبول هذا العمل كونه مصدر الرزق الوحيد الذي أتيح له، وتقتضي وظيفته عمليا الإشراف على دخول وخروج الطالبات من وإلى المدرسة، لذا فعليه أن يكون أهلًا للثقة، وأن يتحلى بالأمانة والشرف والأخلاق العالية. ويضيف: شخصية شليويح بسيطة وجميلة وتمثل الكثير من المعاني الإنسانية، التي قد نفتقدها أحيانًا في زماننا الحالي، كالوفاء والكرامة والأمانة والشهامة. والتحدي الأكبر، الذي يقابله هو الزواج، فوالدته تريد أن تزوجه، فيما يرفض هو الإقدام على هذه الخطوة ما دام غير قادر على منح زوجته مستوى حياة لائقًا يوازي على الأقل مستوى معيشتها في بيت أهلها، لذا وفي ظل حياة التقشف التي يعيشها مع والدته، يرفض الزواج. ويشير السدحان إلى أن شليويح سيقع لاحقًا في حب إحدى معلمات المدرسة وهي عبلة «غدير زايد»، ليذكرنا بالحب الجميل ومعانيه السامية في تلك الفترة الزمنية، ولتبدأ المفارقات في الظهور خلال الأحداث المتعاقبة. ويشير السدحان إلى تطورات مفاجئة في سياق الأحداث تقلب حالة الفقر، التي يعيشها شليويح إلى حالة ثراء، ويضيف: على الرغم من أن النص كوميدي، فإنه مليء بالمواقف التراجيدية المؤلمة في بعض الأحيان، وشليويح شخص متصالح مع نفسه، فهو الإنسان الذي لم تؤثر المادة عليه أو على تصرفاته مع الآخرين حتى البسطاء منهم، إذ تبقى الإنسانية موجودة عنده وحاضرة في تصرفاته وشخصيته رغم الثراء الطارئ على حياته، الذي قد يفقد الكثيرين غيره توازنهم. وحول الثنائي، الذي يقدمه مع يعقوب عبدالله في العمل، قال: عندما قرأت النص للمرة الأولى، كنت متخوفًا من الممثل، الذي سيلعب دور «ناشي»، وذلك قبل الاتفاق مع يعقوب، فالدور يتطلب ممثلًا متميزًا يقدم الكوميديا بعيدًا عن الإسفاف أو السوقية أو اجترار الضحكات بطريقة غير لائقة، مع المحافظة في الوقت نفسه على روح النص والشخصية، وهنا كان التحدي، والحمد لله وفقنا في الوصول إلى الشخص المناسب، فيعقوب فنان جميل واسترحت في التعامل معه منذ الأيام الثلاثة الأولى للتصوير، واستمرت المودة بيننا إلى اليوم. وحول ما قد يطرأ من مقارنات بين ثنائية السدحان يعقوب، وبين السدحان ناصر القصبي، التي اعتادها الجمهور طيلة ربع قرن، يوضح السدحان: عندما نتكلم عن الثنائيات المتناغمة، فلا شك أن ثمة تناغمًا كبيرًا سيلمسه الجمهور بيني وبين يعقوب، ولكن يجب ألا نقارن بأي حال من الأحوال بين الثنائيتين، أو أي ثنائية أخرى، فتلك ثنائية تختزل عمرًا كاملًا، وتمتد على مدى أكثر من ربع قرن من العمل، إلى جانب الصداقة والأخوة والأسفار والأسرار والتفاهم والتواؤم، لذا فمن الظلم عقد مقارنة مع ثنائية عمرها أشهر أو أخرى عمرها سنوات، فعلى سبيل المثال ثمة الكثير من المشاهد الارتجالية، التي قدمناها في «طاش» أو «عيال قرية» كانت وليدة اللحظة، أي ابتدعناها بتلقائية خلال تصوير المشهد، وهذا أمر لا يمكن حدوثه بين الثنائيات إلا بعد تفاهم طويل يمتد عبر سنوات من العمل المشترك.أشار السدحان إلى أن العمل مع المخرج عيسى دياب كان موفقًا، مثنيًا على إبداع الأخير وتفانيه في العمل، واختتم بالإشارة إلى أن الجمهور اليوم صار أكثر انتقائية للحس الكوميدي والطرفة، فما عاد من السهل الإضحاك كما كان في الماضي، مضيفًا: لذا بذلنا قصارى جهدنا في تقديم المواقف الكوميدية، علمًا بأن الكوميديا في الحلقات المتصلة تُبنى مع الأحداث، بخلاف الكوميديا في الحلقات المنفصلة التي كثيرًا ما تعتمد على الإيفيهات.

ويصف يعقوب عبدالله أول تعاون له مع عبدالله السدحان بقوله: أعتبر لقائي بعبدالله السدحان بمثابة اللقاء بمدرسة، فهو قامة فنية كبيرة. ولا يخفي قلقه في بداية التصوير من العمل مع مَنْ يصفه بـ «أحد أبرز نجوم الكوميديا»، ويضيف: زالت جميع مخاوفي عند تعرفي على عبدالله السدحان عن قرب، فهو فنان جميل، ويمتلك القدرة على الاندماج بالآخر، ولديه كيمياء خاصة تمكنه من خلق توليفة مع كل مَنْ حوله، ولطالما كنت من عشاق «طاش» بأجزائه المتعاقبة، وكنت أنتظر هذه اللحظة للعمل مع عبدالله السدحان، وتعلمت منه الصبر والثقافة والاتزان بالأداء، وأفخر بأني اكتسبت أخًا وصديقًا بحق.وتعليقا على تقييمه لتجربته الكوميدية، لاسيما أنه قادم من خلفية درامية - تراجيدية، أضاف: رغم أن العمل كوميدي بامتياز، فإنه يقدم نوعية مختلفة من الكوميديا، التي تعتمد على الموقف التراجيدي، فهي كوميديا نابعة من قلب الألم، ويبدو أن هذه الخلطة بين خلفيتي التراجيدية وخلفية عبدالله السدحان الكوميدية أسفرت عن منتَج جميل ومميز، وأُشَبه هذه الحالة بحالة الثنائي الذي يكمل بعضه بعضًا، أو كلاعبي كرة قدم أحدهما صانع ألعاب والآخر هداف، لذا أعتقد أن المُشاهد سيحب هذا الثنائي، وسيلمس مقدار المحبة الموجودة بيننا، وهو الأمر الذي شدد عليه السدحان طوال مراحل التصوير، وأترك الحكم للجمهور.

وحول دور «ناشي»، الذي يقدمه في العمل، يقول يعقوب: ناشي شخص بسيط وفقير، لكنه يعتبر أن الفقر الحقيقي هو فقر الأخلاق لا المال، وأن الثراء الحقيقي يكمن في امتلاك عزة النفس والكرامة، لذا سنجد أنه يعمل بجد واجتهاد على شاحنة نقل، ويتعامل مع مختلف الأصناف من البشر بكل أريحية وتصالح مع النفس، وتربطه علاقة حب مع ابنة عمه «حصة»، تلك العلاقة تجسد أسمى معاني الحب الحقيقي النادر، الذي قد يكون مفقودًا في هذا الزمن، فهو يحلم بها في صحوه ونومه، ويسعى إلى حمايتها بموازاة حفاظه دائمًا على عزة نفسه وكرامته.

ويتطرق إلى طبيعة النص، الذي كتبه عبدالله السعد، قائلًا: يتميز النص بأنه لا يفرض الكوميديا فرضًا على الممثلين أو الشخصيات، فهو لا يهدف إلى إضحاك الناس بالإكراه، بل تنبع الكوميديا في النص من معاناة الشخصيات والمواقف، التي تمر بها وتفرض عليها، لذا فهي كوميديا الموقف والحياة والطبيعة والمأساة، التي تعيشها تلك الشخصيات.

ويختم يعقوب بالإشارة إلى تفرُّد أسلوب وأفكار المخرج عيسى دياب، خاصة أن أحداث العمل تدور في حقبة السبعينيات، التي تتميز -على حد وصفه- بخصوصية قد لا نجد لها نظيرًا اليوم، واصفا دياب بـ «المخرج الجريء بلقطاته وزواياه ورؤيته وسرده للقصة المليئة بالحب والقيم والمعاناة والرومانسية».

«شليوي ناش» بطولة مجموعة كبيرة من الممثلين في مقدمتهم عبدالله السدحان، يعقوب عبدالله، محمد العجيمي، لطيفة المقرن، غدير زايد، عبد الإمام عبدالله، مرام البلوشي، حصة النبهان، غرور، شهد سلمان، عبدالعزيز النصار، عبدالمحسن القفاص، وآخرون.

عبدالله السدحان: وجدت نفسي في شخصية «شليويح» بمجرد قراءة النص