عبدالعزيز المحبوب

موظفون يملكون تمركزاً إستراتيجياً في المؤسسة، وسلطة قد تفوق سلطة المدير، ونفوذاً واسعاً يمكنه التأثير، لديهم نسخ خاصة من المفاتيح الرئيسية لمعظم الأبواب، والمعرفة الدقيقة للأنظمة المؤسسية وفجواتها والثغرات، والحلول الفردية وأحياناً السرية لبعض الملفات الكبرى، وخارطة الطرق المختصرة لتخطي التحديات المؤرقة، كل ذلك تشكل نظراً لعمق جذورهم عبر الزمن، وتشعب تواجدهم في أوعية شجرة المنشأة وعلاقاتها. أما الموظفون من حولهم، فينقسمون بين مؤمن بهم وبما لديهم من قدرات وسعة انتشار وقربهم من نبع صناعة القرار، أو قد يكونون مصدره، وآخرون يسلكون سبلاً أخرى بعيداً عن حدودهم، وشريحة على خلاف دائم معهم لاتجاهها غير المتوافق مع منهجياتهم. كما يلجأ بعض الرؤساء لمنحهم المقاعد القيادية والمهام الكبيرة رغم نقص الكفاءة لدى البعض منهم، وذلك لدوافع عدة منها الرغبة في التفرغ لمشاريع أخرى باستثمار قدرتهم على التحكم، أو لمحاولة كسبهم حليفاً داعماً وتفادي السيناريوهات المضادة مستقبلاً، وهو ما يلقي بلا شك بانعكاساته السلبية على بيئة العمل ودافعية الطموحين من الموظفين.

تنشأ مراكز القوى في المؤسسات عادةً مع مرور الوقت لأسباب مختلفة، منها ضعف المهارات القيادية لدى بعض المديرين، واتكالية البعض الآخر المطلقة على عناصر معينة من الموظفين في العديد من الشؤون الفنية والإدارية. كما أن هشاشة النظام المؤسسي، وسوء بناء الهيكل التنظيمي وتداخل مهامه، وكثرة اللجان تلعب دوراً بارزاً في نشوء تلك المراكز، بالإضافة إلى احتكار المعرفة وقلة برامج التدريب وإعداد الصف الثاني من القادة، وعدم وجود سياسة العمل بمبدأ تكافؤ الفرص المبنية على الجدارات والمهارات.

وعلى صعيد تأثير مراكز القوى البشرية على المنظمة، فقد يكون جوهرياً ومنقذاً أحياناً لمعالجة القصور القيادي لدى المسؤول الأول، ومحورياً في التحديات الحرجة، إضافةً إلى قدرتهم على قيادة الشريحة الصعبة من الموظفين وتوجيهها للانخراط ضمن الجهود تجاه المسار المستهدف، وذلك يحدث عندما تكون المصلحة العامة هي همهم الأهم، والمسؤولية المؤسسية هي المحرك الدافع لهم. أما إن كانت المنافع الشخصية تتوارى خلف النوايا الظاهرة، فهذا قد ينذر بهز الوحدة الداخلية، ونشوء الأحزاب والتحزبات، ومحاربة المجتهدين والمتميزين، والخروج والانشقاق على قيادة المنشأة وتوجهاتها، والأنظمة ولائحاتها، والتأثير على السمعة الفردية والمؤسسية، مما يجرفها بعيداً عن مسار نموها ونجاحها المستقبلي. لذا أرى أهمية التوازن في إدارة هذا الموضوع وفق ما تقتضيه أهداف المنشأة وضمن أطرها المنظمة، التي تكفل مأسسة العمل ورسم الحدود والصلاحيات المعلنة لجميع المستويات والوحدات الوظيفية، وإدارة المعرفة والعمل بثقافة المنظمة المتعلمة. وذلك معطوف على ضرورة صناعة الخلفاء من القادة وإتاحة الفرص للدماء الجديدة، وتدوير السلطة والتدوير الوظيفي.

وختاماً أقول لكل مدير، إن مراكز القوى البشرية في المؤسسة تعد قوةً ذات بعدين، إما أن تشق لك الطريق قدماً لنجاح باهر مشرق، أو أن تشق الصفوف خلفاً لمستقبل حالك مظلم، لذا... الزم سبيل الحكمة.

@azizmahb