د ب أ - نيويورك

من المقرر أن تجتمع الحكومة الأفغانية مع طالبان الشهر المقبل في إسطنبول، لمحاولة التوصل إلى اتفاق لإحلال السلام في أفغانستان.

ويقول الباحث الأمريكي، ميشائيل روبين: إن القضية الرئيسية ستكون هي «شكل الحكومة الأفغانية»، بمعنى؛ «هل ستظل جمهورية إسلامية لها رئيس منتخب مثلما كانت منذ عقدين من الزمان، أم ستكون إمارة إسلامية مع تعيين قيادة دينية لها بحسب ما تطالب به طالبان؟».

ويوضح روبين في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» أنه في نهاية الأمر، لا تعود جذور هذا السؤال إلى التمرد الذي مارسته طالبان بعد تدخّل قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، ولا إلى ظهور طالبان نفسها في 1994، ولكن إلى الشرق في بنجلاديش (أو إلى «باكستان الشرقية» كما كان يُطلق عليها في ذلك الوقت).

وكان الشيخ مجيب الرحمن، مؤسس حزب «رابطة عوامي» في باكستان الشرقية، أعلن في يوم 26 مارس قبل خمسين عامًا، بعد منتصف الليل بقليل، استقلال بنجلاديش، وذلك قبل دقائق فقط من قيام الجيش الباكستاني بإلقاء القبض عليه.

وكان الجيش الباكستاني قد أطلق «عملية الكشاف الضوئي» قبل ساعات من إطلاق مجيب الرحمن دعوته، وأوضح الرئيس الباكستاني آنذاك، يحيى خان، التفسير المنطقي لما يقوم به، حيث قال: «اقتلوا ثلاثة ملايين منهم، وسوف نسيطر على الباقي منهم»، وقاوم شعب بنجلاديش بالفعل، ولكن كانت الخسائر هائلة.

ويقول روبين: إنه في غضون عام واحد، قُتل ما يتراوح بين 300 ألف وثلاثة ملايين شخص من بنجلاديش، مضيفًا إنه «إذا اعتبرنا أن هناك مليون شخص فقط لقوا حتفهم، فسوف يظل ذلك العدد يمثل أكثر من ضعف عدد قتلى الحرب الأهلية السورية، ولكن خلال عام واحد فقط بدلًا من تسجيله على مدار عقد من الزمان».

وفي النهاية، ساعدت التضحيات التي قدّمها شعب بنجلاديش - إلى جانب المساعدات الهندية - على الفوز، وفي 16 ديسمبر من عام 1971، استسلم الليفتنانت جنرال الباكستاني، أمير عبدالله خان نيازي، الحاكم العرفي لباكستان الشرقية، إلى الليفتنانت جنرال جاجيت سينج أورورا، القائد المشترك للقوات الهندية والبنجلاديشية، وأكدت باكستان استقلال بنجلاديش، وبعد أن تم إطلاق سراحه من أحد السجون الباكستانية، نصب مجيب الرحمن أول رئيس لبنجلاديش، ثم رئيسًا للوزراء.

ويوضح روبين أن خسارة بنجلاديش كانت بالنسبة لباكستان، بمثابة «كارثة»، فقد كان محمد علي جناح، زعيم «رابطة مسلمي عموم الهند» والأب المؤسس لباكستان، ينظر إلى الدولة الجديدة بوصفها أرضًا أو دولة قائمة على أساس الدين وليس العرق.

ورغم أن القادة الباكستانيين ربما كانوا يرون من قبل أن الحركات العرقية هي مصدر للإزعاج، إلا أنهم رأوا بعد فقدان بنجلاديش - التي تمثل نصف باكستان من حيث عدد السكان - أن هذه الحركات تشكل تهديدًا وجوديًا، بحسب روبين.

ومن أجل تحصين باكستان ضد حدوث المزيد من الخسائر، بدأ كل من القادة السياسيين الباكستانيين والجيش الباكستاني في تشجيع الحركات المتطرفة، إن لم يكن رعايتها.

وقال روبين: إنه عندما غزا الاتحاد السوفييتي أفغانستان، كانت الجراح الناتجة عن خسارة بنجلاديش ما زالت حية، إلا أن القيادة الباكستانية وجدت فرصة سانحة «حيث كانت الولايات المتحدة ترغب في دحر العدوان السوفيتي، إلا أنها لم يكن بوسعها القيام بذلك بمفردها، حيث إن أفغانستان دولة حبيسة»، وقد كانت إيران تحتجز دبلوماسيين أمريكيين كرهائن، وقد أدى كل ذلك إلى جعل باكستان الطريق الوحيد للمساعدات الخاصة بالمقاومة الأفغانية.

وبعد انسحاب الاتحاد السوفيتي وغياب الضغط الأمريكي الفعّال من جانب إدارتي الرئيسين الأسبقين، جورج دبليو بوش وبيل كلينتون، بدأت وكالة الاستخبارات الباكستانية في دعم زعيم الحرب الأفغاني الأكثر تشددًا، قلب الدين حكمتيار، بصورة جدية.

وقد تسعى إدارة الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن، إلى إنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، إلا أن الهدف مختلف بالنسبة لباكستان، فبالنسبة لإسلام آباد ووكالة الاستخبارات الباكستانية، من الممكن أن تمثل أفغانستان المستقرة التي تحكمها إدارة قومية، تهديدًا وجوديًا بالنسبة لباكستان.