سعود القصيبي

تعد واحة الأحساء من أقدم المواقع الحضرية المستمرة ومنذ فجر التاريخ، فهي تزخر بالمواقع الأثرية، التي ومنذ خمسة آلاف عام تمد الإنسانية بتراث مستمر. وهي إرث عالمي حين وضعها اليونسكو على لائحة التراث العالمي. وهي أحد المواقع المهمة للسياحة التاريخية العالمية في وطننا الغالي علينا جميعا. ففي واحة الأحساء، أقدم أثر لحضارة عربية كتبت وسطرت في الألواح المسمارية وأقدم الممالك العربية. وفيها من التاريخ ما يملأ المكتبات صحفا، والجامعات بحثا، والطلبة دراسة من عمق إرثها الحضاري المستمر.

ورغم الجهود المبذولة من كل القطاعات لخدمة التراث العمراني بشقيه القديم والأحدث إلا أن الآمال كثيرة، والطموحات كبيرة وجليلة. فبرغم وجود أكثر من مائتي موقع مكتشف وأثر قديم مسجل إلا أن ليس بواحة الأحساء أية أعمال لحفريات وتنقيبات أثرية أو فرق متخصصة متواجدة أو من سياج لأغلب المواقع المسجلة مما قد يعرض تلك المواقع لأعمال النهب أو التلف. وما زلنا نسمع بين الفينة والأخرى عن عثور أحدهم على كنوز مصادفة سواء عند إعادة بناء لمنزل أو لتجديد مزرعة أو من توافر آثار وعملات قديمة للبيع أو من تواجد في مجلس أحدهم أثر قديم يتباهى به. وما زالت يد الآلات والمعاول تطال ما تحت الثرى بمخططات سكنية جديدة مدمرة ما علم، فيوقف بعد فوات الأوان أو تبقى وجهل من كنوز معرفية مدمرة مرافق جذب سياحية مهمة، وهذا ليس من نسج الخيال أو فرضية، إنما واقع قد حصل وتكرر.

وتلك الآثار والمواقع بالمقارنة بغيرها هي ليست فقط نقوشا مسجلة بسجل الآثار على كثرتها بالجزيرة العربية إنما غالبها بواحة الأحساء حواضر سكنية مطمورة شكلت مهد الحضارة في بلادنا العزيزة ومنذ فجر التاريخ لتواجد ووفرة المياه بها. فإن طالها أية نوع من العبث هو وكأننا دمرنا هويتنا وإرثنا وما نعلمه عنا وعن حضارتنا وتأثيرها على غيرنا من ثقافات وهويات بالمقارنة. ومن أهم أنواع المحافظة عمل التنقيبات الأثرية، التي على إثرها يزداد البحث العملي وما جهلناه من تاريخنا ولتكون هذه المواقع رافدا سياحيا مهما تعول عليه الدولة ببرامجها المختلفة، كما شاهدناه في منطقة العلا من مدائن صالح وحضارة دادان. ومن أهم ثلاثة مواقع لتوضيح العمق التاريخي لواحة الأحساء، التي في رأينا أنها بالفعل سوف تكون بإذن الله إن ما روعيت بأعمال التنقيب الأثري والحماية ستكون مرفقا مهما متزامنا مع الجهود السياحية المبذولة، وهي بالذكر منطقة ميناء العقير ومسجد جواثا ونواحي وجبل بريقا. وتحتوي هذه المواقع على أكبر وأقدم ميناء في الخليج العربي وصفه اليونان أنه بني من الملح ومركزا مهما للتجارة القديمة مع منطقة الهلال الخصيب وحوض البحر المتوسط. وكذلك حضارة ديلمون، التي ذكرت في الألواح المسمارية وفي سومر، حيث وصفت بأرض الخلود، التي نسج حولها الأساطير ورويت في الملاحم. كما تضم أيضا الإشارات لأول حضارة على وجه الأرض وهي حضارة العبيد بفخاريتها البديعة. كما تضم هذه المناطق مدافن ركامية عديدة وبها نهر ملحم التاريخي، الذي وصفه الهمداني عام 334 هجري ومدن أثرية مطمورة عديدة. كما أخيرا تضم هذه المواقع أقدم مساجد المسلمين وإرثا إسلاميا مهما مازال باقيا للعمارة الإسلامية زمن الخلفاء الراشدين وموقعا لأوائل المعارك، التي خاضها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

هناك مشاهد كثيرة تاريخية تستحق الاهتمام والعناية والرعاية، التي ما زلنا نرى أثرا باقيا فيها بتقادم العصور جمعتها واحة الأحساء مما ميزها وجعلها حقا أحد الرموز العالمية والكنوز للتراث العمراني، التي سطرت مكانتها بين كثبان الرمال وحدائق النخيل. ونتمنى ذات يوم أن نرى قوافل السياح من الداخل والخارج قادمين لرؤية ما سوف يكتشف بالمتاحف ومن زيارة لتلك المواقع الأثرية ونحن على يقين بأن الاستثمار عن طريق أعمال التنقيب سوف تخرج لنا بإذن الله مكونا سياحيا أساسيا ورافدا مهما لاقتصاديات المنطقة كما في زيادة حجم الاستثمار ومن خلق فرص وظيفية جديدة ومن حركة تجارية كبيرة مأمولة.

@SaudAlgosaibi