د ب أ - القاهرة

نبهت البيت الأبيض أن العالم لن يكون ودودا بمجرد مغادرة ترامب المشهد

لا يزال الاتفاق الإستراتيجي الذي وقعته الصين وإيران محور نقاشات العديد من دوائر التحليل السياسي، لا سيما في الولايات المتحدة لما له من أبعاد ودلالات.

ويشمل الاتفاق عشرات المجالات، منها البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات، ويضمن للصين الحصول على إمدادات نفطية منتظمة من إيران بأسعار مخفضة للغاية، وفقا لمسؤول إيراني.

كما يتضمن توافقا على تعميق التعاون العسكري، بما في ذلك التدريبات والأبحاث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

واعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن موافقة بكين على استثمار نحو 400 مليار دولار في إيران على مدى 25 عاما من شأنه أن يعمق نفوذ الصين في المنطقة من جهة ويقوض الجهود الأمريكية للإبقاء على عزلة إيران من جهة أخرى.

وروج مسؤولون إيرانيون للاتفاق مع بكين باعتباره نقلة، واعتبره المدعو حسام الدين أشينا، كبير مستشاري رئيس النظام حسن روحاني، دليلا على قوة إيران «في المشاركة في التحالفات، وليس البقاء في عزلة». حد تعبيره على «تويتر».

تحدي واشنطن

ورأت مجلة «نيوزويك الأمريكية»، أن العلاقات الإيرانية مع الصين «قد تمثل تحديا لنهج واشنطن المتشدد»، مشيرة إلى أن «الدوافع الكامنة وراء التعاون المتزايد بين الطرفين عديدة ومعقدة، وتتجاوز مجرد مواجهة واشنطن».

ونقلت المجلة عن متخصصين في العلاقات الصينية الإيرانية قولهم: إن أهداف بكين من توقيع الاتفاق «أهداف عملية وسياسية»، ولفتوا إلى أن «الفوائد بالنسبة لبكين تشمل الحصول على حصة من مصدر رئيسي للنفط وتأمين سوق خارجية للسلع الصينية»، إلى جانب «تقدم حقيقي ورمزي نحو تحقيق مشروع الحزام والطريق العابر للقارات».

وعلى الجانب الآخر، يرى هؤلاء المتخصصون أن من بين الأسباب الرئيسية التي دفعت إيران إلى أحضان الصين، هي انتهاز طهران فرصة التنافس بين القوى العظمى من أجل تعزيز مصالح نظامها بقدر ما تستطيع.

وحذر خبراء، وفقا لـ»نيوزويك»، من أن الشراكة الإستراتيجية بين إيران والصين، «يمكن أن تعرض المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط للخطر».

ومن جهتها، قالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية: إن أي شخص اعتقد أن العالم سيكون أكثر ودا وتحمسا لمصالح الولايات المتحدة بمجرد مغادرة ترامب المشهد، «تلقى تنبيها قاسيا في الشهرين الماضيين»، مدللة على ذلك بالاتفاق بين بيكن وطهران الذي وصفته بأنه «مثال على اتحاد خصوم الولايات المتحدة لتعزيز طموحاتهم الإستراتيجية».

وأوضحت أن هذا الاتفاق يساعد إيران على تفادي العقوبات الأمريكية، وأن ضخ السيولة الصينية سيخفف وطأة الضغط الاقتصادي على إيران، وأشارت إلى إمكانية استخدام النقد الأجنبي في «تمويل الحرس الثوري والميليشيات الحليفة (لإيران) في اليمن وسوريا والعراق».

الطاقة والخام

كما يوسع الاتفاق نفوذ الصين في الشرق الأوسط الذي تضعه بكين نصب عينيها للوصول إلى الطاقة والمواد الخام بالإضافة إلى زيادة نفوذها الاقتصادي، بحسب الصحيفة.

وألقت «وول ستريت جورنال» الضوء على اعتزام البلدين إنشاء بنك صيني إيراني للتخلص من هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية، وأضافت إن «كسر قبضة الدولار على التجارة والتمويل العالميين هو هدف رئيسي لروسيا والصين وإيران».

ورأت أن الاتفاق الإستراتيجي ربما يعزز موقف إيران ويجعله أكثر تصلبا إزاء العودة إلى الاتفاق النووي، «فإيران المدعومة من الصين ستكون أقل عرضة للضغوط للقيام بذلك، والشيء نفسه ينطبق على مساعدة أذرع إيران في اليمن؛ الحوثيين الذين يريدون السيطرة على البلاد، إذ يمكن للصين وروسيا منع أي محاولة لممارسة المزيد من الضغط العالمي على طهران من خلال الأمم المتحدة». وتابعت الصحيفة: «كل هذا يظهر حماقة الاعتقاد بأن السماح للخصوم بالسيطرة على مناطقهم ستكون له عواقب حميدة يمكن للولايات المتحدة تجاهلها»، وحذرت من أنه «كلما ازدادت قوة هؤلاء الخصوم في مناطقهم، زاد احتمال تعاونهم على نطاق عالمي لتقويض المصالح الاقتصادية والأمنية الأمريكية».

وألقت باللوم على نهج إدارة جو بايدن، قائلة: «إن العالم أصبح أكثر خطورة بغض النظر عن آمال السيد بايدن، فكوريا الشمالية تطلق الصواريخ مجددا، والصين تهدد تايوان بشكل أكثر عدوانية، وإيران تزيد انتهاكاتها النووية، وروسيا تواصل تقويض أهداف الولايات المتحدة أينما استطاعت».

وتبنت صحيفة «نيويورك تايمز» الرؤية ذاتها، مشيرة إلى سعي الصين لتزعم «معسكر أيديولوجي في مقابل معسكر الغرب بقيادة الولايات المتحدة».

الصين وروسيا

وقالت صحيفة «نيويورك تايمز»: إن بايدن يريد تشكيل «تحالف الديمقراطيات» بينما تريد بكين أن تظهر أن لديها تحالفاتها الخاصة، كما أشارت الصحيفة إلى بدء التقارب الصيني الروسي بعد فرض عقوبات غربية على موسكو في أعقاب ضم الرئيس فلاديمير بوتين لشبه جزيرة القرم عام 2014.

ودللت الصحيفة على ذلك بتعزيز العلاقات الإستراتيجية بين البلدين «إذ يجري جيش التحرير الشعبي الصيني والجيش الروسي تدريبات بشكل روتيني معا، وقاما مرتين بدوريات جوية مشتركة على طول الساحل الياباني، كان آخرها في ديسمبر 2020».

وفي هذا الصدد، يقول أرتيوم لوكين، أستاذ الدراسات الدولية في شؤون الشرق الأقصى بالجامعة الاتحادية في فلاديفوستوك بروسيا: «إن الخطوات والإيماءات الأخيرة من قبل إدارة بايدن، التي ينظر إليها القادة الروس والصينيون على أنها معادية ومهينة، دفعت موسكو وبكين إلى مزيد من العناق المتبادل».

وربما تشير إسرائيل بنفس أصابع الاتهام لإدارة بايدن، وإن اختلفت الأسباب، فتل أبيب ترغب في تبني واشنطن لهجة أكثر صرامة حيال طهران.

في هذا السياق، رأت صحيفة «إسرائيل هيوم»، أن «المشكلة الأساسية هي أن الوقت يلعب لصالح إيران»، وسردت خمسة أسباب لذلك، أولها: أن طهران تواصل خرق الاتفاق النووي «بفظاظة»، فضلا عن قرب انتهاء الاتفاق الموقع بين إيران والوكالة الدولية للطاقة النووية، الذي تسمح طهران بموجبه بحرية عمل وحركة مفتشي الوكالة.

وأشارت الصحيفة العبرية إلى أنه «بعد ثلاثة أشهر ستجرى انتخابات رئاسية في إيران ومن المتوقع أن تعزز الجناح المحافظ، الذي عارض من البداية الاتفاق النووي، ما يمكن أن يؤدي إلى إحباط أي محاولة لتسوية».

وأضافت «إن استمرار الجمود وغياب اتفاق جديد يقربان إيران من موعد انتهاء صلاحية الاتفاق الأساسي لسنة 2015، وعندها تستطيع أن تخصب اليورانيوم كما يحلو لها وصنع قنبلة (نووية) دون إزعاج، كما أن كل يوم يمر يمكن الإيرانيين من التقدم في صنع الصواريخ الباليستية».