دانة بوبشيت - الدمام

انهيار الليرة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة الديون

أكد اقتصاديون أن السياسات الخاطئة، التي يتبعها النظام الحاكم في تركيا أدت إلى توالي الصدمات، التي يتعرض لها الاقتصاد التركي، أبرزها: هبوط الليرة إلى مستويات قياسية مما ينعكس على ارتفاع حجم المخاطر للمستثمرين، ويؤدي إلى التراجع في المؤشرات الاقتصادية، مشيرين إلى أن المخاطر أدت إلى ظهور العديد من الفقاعات، سواء في السوق العقاري، أو القروض الخارجية والاستثمارات الأجنبية.

وأشار الاقتصاديون إلى أن من ضمن الانعكاسات السلبية زيادة عجز الموازنة، الذي قفز إلى مستوى 92.9 مليار ليرة بما يعادل 15.65 مليار دولار، بزيادة 15%، فضلًا عن أن زيادة حجم الديون الخارجية المستحقة بنحو 431 مليار دولار، وارتفاع معدل البطالة وأسعار المواد الغذائية الأساسية، لا سيما بعد عزل رئيس البنك المركزي، الذي كان يتبع سياسات لكبح التضخم إلا أن تدخّل رئيس تركيا فاقم تردّي الوضع الاقتصادي.

وقال الكاتب والمحلل الاقتصادي عبدالرحمن الجبيري إن ارتفاع مخاطر هبوط الليرة التركية لمستويات قياسية سيشمل ارتفاعًا في حجم المخاطر للمستثمرين، إضافة إلى أن ذلك سيؤدي حتمًا إلى أن الاقتصاد التركي سيواجه الكثير من الضغوط والتراجع في المؤشرات الاقتصادية وفقًا لتقارير المنظمات الدولية، التي أظهرت مخاطر عالية.

وأضاف إن تلك المخاطر ستنعكس على السياسات النقدية سلبًا، لذا يعاني الاقتصاد التركي من حالة ركود عميقة لغياب السياسات الاقتصادية والنقدية، مشيرًا إلى أنه ظهرت تباعًا العديد من الفقاعات في القطاع العقاري، والقروض الخارجية والاستثمارات الأجنبية.

وأشار إلى أن بيانات التصنيف الائتمانية قبل وأثناء جائحة كورونا أظهرت انخفاضًا حادًا مع نظرة مستقبلية سلبية عطفًا على أزمة ميزان المدفوعات وعدم وفاء الحكومة بالتزاماتها، فيما أن الاقتصاد التركي حاليًا في مرحلة حرجة وأمامه تحديات ومخاطر مرتفعة ضمن التراجع غير المسبوق.

وأضاف إن العجز في الموازنة العامة لتركيا قفز إلى مستوى 92.9 مليار ليرة (15.65 مليار دولار) بزيادة تبلغ نحو 12.3 مليار ليرة تعادل نحو (2.07 مليار دولار) بنسبة زيادة تتجاوز نحو 15%.

وأوضح أن تركيا تعيش حاليًا مرحلة من التوترات الاقتصادية، متمثلة في ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم ومعدلات البطالة، وانخفاض قيمة العملة، في الوقت الذي يصل فيه معدل النمو إلى أدنى مستوياته منذ أكثر من عقد.

ولفت إلى أن المشكلات الهيكلية في الاقتصاد التركي، وبخاصة المستويات العليا من الاعتماد على دول أخرى، في موضوع الإنتاج، إضافة إلى زيادة الاستيراد لأسباب مختلفة، ورفع أسعار الطاقة، وانكماش حجم الاقتصاد التركي لـ220 مليار دولار في آخر سبع سنوات، وفقًا لبيانات رسمية من السلطات التركية، أظهرت تراجع حجم الدولارات في النصف الثاني من عام 2020 فقط إلى 730 مليون دولار.

وأشار إلى أن توالي الصدمات، التي يتعرض لها الاقتصاد التركي تأتي انعكاسًا للسياسات الخاطئة والتدخل المستمر في تطبيق نظريات اقتصادية؛ إذ تشير البيانات الرسمية إلى أن حجم الديون الخارجية المستحقة على تركيا بلغ نحو 431 مليار دولار في مارس الماضي، وذكرت وزارة الخزانة والمالية أن نسبة الديون الخارجية إلى الناتج الإجمالي المحلي بلغت في مارس 56.9%.

وتابع: على مدار أكثر من عامين كانت الليرة التركية قد تدهورت، إضافة إلى ارتفاع معدل البطالة، وكانت أسعار المواد الغذائية الأساسية تتقلب على نطاق واسع، فكان المشهد الاقتصادي التركي منذ بداية أزمة العملة والأزمة الاقتصادية في عام 2018 يؤشر إلى تدني الوضع الاقتصادي والحلول التي اقترحتها الحكومة التركية، فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية والنقدية، لم تكن سوى فقاعات إعلامية لا تستند إلى منهجية إصلاحية بأدوات فاعلة، ولذلك حدث تراجع كبير في احتياطيات النقد الأجنبي وبدأت عمليات التخارج من الأسواق التركية من جانب المستثمرين الأجانب في مختلف القطاعات.

وقال المحلل الاقتصادي سعد آل ثقفان إن الليرة هبطت بقوة بعد عزل رئيس البنك المركزي، وذلك لعدم تماشي سياسته، التي اتبعها مع ما يرغب به رئيس تركيا، فقد قام بما ينبغي عليه القيام به في ظل الظروف، التي يمر بها الاقتصاد التركي، فرفع الفائدة فوق التضخم عدة مرات، وذلك لإيقاف التضخم المرتفع، وأيضًا ليساعد على استقرار العملة؛ مما يؤدي إلى دخول تدفقات أجنبية إلى البلاد لكن مع العزل أدى إلى عدم الثقة بالعملة؛ مما أدى إلى خروج تدفقات أجنبية أيضًا مع ما تمر به تركيا من عجز في الحساب الجاري، فضاعف ذلك على مسار العملة مما جعلها تنخفض وبشدة.

وكانت صحف غربية أكدت أن الرئيس التركي يضحي باقتصاد بلاده من أجل الاستمرار في السلطة فيما قال الخبير الاقتصادي ديسموند لاكمان النائب السابق لرئيس إدارة تطوير ومراجعة السياسات في صندوق النقد الدولي، في مقال له بمجلة «ناشيونال إنترست» الأمريكية، إن الرئيس التركي يختار أسوأ توقيت لتطبيق وجهة نظره الغريبة عن أسعار الفوائد رغم أنها تنبئ بالفشل الحتمي وستكلفه كثيرًا في صناديق الاقتراع.

وأضاف الكاتب إن اعتماد سياسة اقتصادية غير مستقيمة في سوق اقتصادية ناشئة ليس فكرة سديدة حتى لو كانت السيولة العالمية متوافرة، فيما تحرك أردوغان في وقت تتقلص فيه شروط توافر السيولة العالمية لاقتصادات الأسواق الناشئة، مشيرًا إلى أن البنك المركزي التركي لم يستفد من احتياطياته الأجنبية في الدفاع عن العملة التركية، فضلًا عن أن الشركات التركية مثقلة بالديون بالدولار، إضافة إلى أن صناعة السياحة التركية المهمة للاقتصاد تجثو على ركبتَيها مع استمرار جائحة كورونا.

وأضاف إن الأسواق لم تتجاهل نقاط الضعف الاقتصادي التركي، إذ إنه في غضون أيام قليلة فقدت الليرة التركية نحو 10% من قيمتها. وتعرضت أسواق الأسهم والسندات لضربة قوية مع شعور المستثمرين بالقلق نتيجة مسار السياسة الاقتصادية.

في حين قالت مجلة «فورين بوليسي» في مقال لـ«أيكان إرديمير»، مدير برنامج تركيا بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، والبرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري، إن وزارة التجارة التركية ترفع الآن دعوى ضد شركة مساهمة؛ لأنها فعلت ما طُلب منها، بتهمة الإخفاق في منح الأولوية للأرباح.

وأضاف: في حال صدور حكم ضد الشركة، ستتمكّن الحكومة التركية من وضع يدها على الشركة وأصولها. مثل هذا الحكم لن يكون مدمرًا للحريات الاقتصادية فقط؛ بل سيدق المسمار الأخير في نعش الملكية الخاصة التركية، وسيخلق سابقة تمكّن أردوغان من النيل من خصومه السياسيين، ما يفرض عبئًا ماليًا لا أحد يستطيع تحمله بمن فيهم أردوغان.