حسين الحمود

(جرير) موظف مجتهد، يداوم أول الناس ويطلع آخر الناس... هذه العبارة التي دائما ما يرددها (طوني) مديره المباشر في عمله، صديقنا الذي يعمل محاسبا في إحدى الشركات الوطنية (الكبرى) كما تدعي في إعلاناتها الوظيفية لا يبحث كمواطن (متوسط) الحال إلا على الستر كما يقول أسلافنا.

مرت الأيام سريعة وأكمل صديقنا سنته الخامسة في الشركة (الكبرى)، التي يديرها (كومار- المدير العام، الذي يقارب راتبه راتب وزير، طوني- مدير المحاسبة، الذي يستلم مرتب وكيل وزارة، جون- مدير الموارد البشرية، الذي يستلم مرتبا يقارب مرتب مدير عام في كبرى الشركات الوطنية) فعملوا له حفلا صادحا يليق باجتهاده وأعلنوا في حينه أن علاوة جرير ستبلغ الـ 1000 ريال في سنتها ليصبح مجموع راتبه 5000 ريال فقط لا غير، وما أن حل العام 2020 وبدأ صراع التغيير مع جائحة كوفيد-19، اجتمع مجلس الإدارة الموقر لتلك الشركة، ليقرر الاستغناء عن صديقنا لأن راتبه يثقل كاهل الشركة، واجتهاده سيسبب عسرا في الموارد البشرية، فكومار وطوني وجون أحق من صديقنا بالبقاء، فالبقاء للأقوى.

مضت الأيام الأولى على جرير ثقيلة وهو يصارع الوقت متناسيا أن هناك التزاما ماديا كبيرا ينتظر أن يؤدى إلى البنك، فصديقنا حاله كحال أي مواطن يبحث عن الستر ما يؤدي في نهاية المطاف إلى الاقتراض من البنوك (ليعيش) ويشتري سيارة أو يؤثث بيتا أو لربما يرمم بيت والده، الذي ورثه في حالة يرثى لها.

بعد أن رجعت الأمور شبه طبيعية ورجع الناس إلى أعمالهم، دأب جرير على البحث عن وظيفة يسد بها رمق عيشه، ومازال ناسيا التزامه البنكي لأن فكره وهواجسه تدور حول الوظيفة والوظيفة فقط، تفاجأ وهو في قاعة الانتظار لإحدى الشركات ليقابل مسؤول الموارد البشرية باتصال من رقم غريب.

السلام عليكم جرير معك عبدالله من بنك السعادة، هنا تذكر صديقنا أن عليه التزاما لا يستطيع الوفاء به، صدمة معنوية كبيرة قبل الدخول إلى المقابلة! أستاذ جرير هل أنت معي؟ باغته السؤال كلطمة على وجهه، نعم نعم أستاذ عبدالله أنا معك، أستاذي العزيز أمامك حلان إما أن تسدد كامل المبلغ المترتب عليك أو سترفع عليك دعوى تنفيذ قضائي!!!! أسودت الدنيا في وجه صديقنا حتى إنه غادر الشركة دون أن يقابل المسؤول للوظيفة المنتظرة.

لم يستطع الإيفاء بالمبلغ، رفع البنك القضية وأوقفت خدمات جرير... هنا البئر الذي وقع فيه غالبية من أنهيت خدماتهم خلال جائحة كوفيد-19، حكومتنا -أعزها الله ورفع قدرها- لا تتنازل عن الحق إلا أن يرجع إلا أصحابه، ولكن هل الحل في إيقاف خدمات المعسرين من أمثال جرير مناسبا؟ بالطبع في حالات فردية معدودة، ولكن ما ذنب مَنْ لا دخل له؟ كيف يؤكل عياله ويسترهم في بيت أو شقة لا يملك حتى إيجارها؟ أعتقد والعلم عند ذوي الخبرة أن إيقاف الخدمات وتجميد الحسابات البنكية لم يساهم في حل المعضلة، فمبالغ المديونيات المتعثرة تزداد يوما بعد يوم، ألم يحن الوقت أن يكون إيقاف الخدمة البنكية مقتصرا على حساب البنك الدائن؟ على أن يتم حجز ثلث المبالغ الداخلة لأي حسابات أخرى لصالح الدائن؟! أعتقد أننا بهذه الطريقة حللنا مشكلة كبيرة، وجعلنا من المدينين مسددين منتظمين.

@hkhamoud