دانة بوبشيت - الدمام

55 % من المواطنين بالضمان الاجتماعي يعملون في القطاع العام

كشفت دراسة حديثة عن أن الإصلاحات القانونية التي تبنتها المملكة مؤخرا أدت إلى تحسين فرص وصول المرأة إلى العمل وريادة الأعمال، فيما زادت مشاركة المرأة في القوى العاملة بالسعودية بأكثر من الضعف خلال العقد الماضي، مشيرة إلى أنها تسير على الطريق الصحيح لتحقيق أحد أهداف رؤية 2030 المتعلق بوصولها إلى نسبة 30 % من معدل القوى العاملة.

وأشارت الدراسة الصادرة عن مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية «كابسارك»، إلى أن معدل مشاركة المواطنين السعوديين في القوى العاملة في المملكة منخفض مقارنة بالاقتصادات الرئيسة الأخرى، إذ لا يزال معدل مشاركة النساء يمثل حوالي نصف المتوسط العالمي، ويقابل معدل المشاركة الإجمالي المنخفض للمواطنين السعوديين نسبة كبيرة من العمالة الأجنبية فيما أن تدني معدلات مشاركة السعوديين في القوى العاملة، يتم تعويضها بالعمالة الأجنبية.

وأشارت الدراسة إلى أن سوق العمل يكافح، لاستيعاب تدفق المشاركات الجدد من النساء، فيما أن الوظائف المتاحة في سوق العمل لا تتناسب مع توقعات النساء المتعلمات تعليماً عالياً، لافتا إلى أن معدل بطالة النساء يبلغ ثلاثة أضعاف معدل بطالة الرجال بينما تميل النساء العاطلات عن العمل إلى الحصول على تعليم عالٍ: ثلثهن حاصلات على درجة البكالوريوس على الأقل، ونصف هذه المجموعة لديهن تخصص في العلوم التربوية أو العلوم الإنسانية.

وأوضحت الدراسة أن معدل بطالة الذكور يعد مرتفعا أيضًا بين المواطنين ويعتبر أعلى من المتوسط العالمي فيما تعتبر البطالة حادة بشكل خاص بالنسبة للشباب من السكان، وقد يؤدي نمو السكان في سن العمل إلى تفاقم هذه المشكلة لذا سيحتاج سوق العمل إلى استيعاب الزيادة في عدد السكان في سن العمل بنحو 1.8 % سنويًا فيما كان يجب في الوقت نفسه، أن تتراجع معدلات البطالة في عام 2019 إلى 7 ٪ من أصل 12 ٪ من أجل تحقيق هدف رؤية المملكة 2030.

الحماية الاجتماعيةولفتت الدراسة إلى أن سوق العمل السعودي ينقسم إلى قسمين: أولاً، بين القطاعين العام والخاص اللذين يقدمان رواتب وظروف عمل مختلفة. ثانياً: بين المواطنين والعمال الوافدين الذين يخضعون لأنظمة مختلفة.

وتابعت: «يعمل نحو 55 ٪ من المواطنين المسجلين في نظام الضمان الاجتماعي في القطاع العام إذ يعتبر القطاع العام أكثر جاذبية مقارنة بالقطاع الخاص نسبة لارتفاع أجوره والقدر الأكبر من الأمن الوظيفي والحماية الاجتماعية وقلة عدد ساعات العمل بينما يمثل العمال الأجانب على الجانب الآخر، نسبة 80 ٪ من وظائف القطاع الخاص المسجلة، وتعد فرصهم محدودة للغاية في الحصول على الوظائف الحكومية ويتنافسون مع المواطنين على وظائف القطاع الخاص، إلا أن فرص كلا الطرفين تعد غير متكافئة تماما».

وأضافت: إن أصحاب العمل لديهم حوافز قوية لتوظيف العمالة الوافدة، وتعد أجور العمال الأجانب أقلّ لأنها تستند إلى جداول الأجور وفقا للجنسية فيما أن الاختلافات العديدة في حالة التوظيف من حيث ساعات العمل وإنهاء الخدمة ومدة العقد تجعل العمال الأجانب أكثر قدرة على المنافسة من المواطنين. علاوة على ذلك، يتمتع الأجانب بوضع إقامة قانوني مشروط بالحصول على وظيفة ولا يمكنهم تغيير وظائفهم من دون موافقة صاحب العمل، مما يضمن انخفاض معدل دوران الموظفين ويقلل من قدرة الأجانب على التفاوض بشأن عقودهم، ويحافظ على استمرار الضغوط باتجاه خفض أجورهم. أخيرًا، لا يوجد حد أدنى لأجور العمال الأجانب على خلاف المواطنين.

وأوضحت الدراسة أنه تم الشروع مؤخرًا في إجراء إصلاحات بالغة الأهمية لزيادة تنقل العمال الأجانب المهرة، إذ تتيح مبادرة الإصلاح العمالي التي تم الكشف عنها في شهر نوفمبر من عام 2020 انتقال العمال الوافدين بين أصحاب العمل عند انتهاء عقود عملهم الملزمة دون الحاجة للحصول على موافقة صاحب العمل.

فجوة الأجور

وبحسب الدراسة أدت وفرة القوى العاملة الأجنبية في المملكة إلى كبت تضخم الأجور والأسعار، وساهم هذا في الحفاظ على معدلات دخل حقيقية عالية للمواطنين وتطوير صناعات تصدير تنافسية للأسعار فيما أدى ارتفاع الأجور العامة والقوى العاملة الوافدة الكبيرة إلى خلق فخ مزدوج لضعف التوظيف في القطاع الخاص.

ووفقا للدراسة بدأت وتيرة التوظيف في القطاع العام بالتباطؤ بعد عام 2015 كجزء من الجهود الرامية إلى توحيد الميزانية في ظل الانخفاض الشديد لأسعار النفط العالمية. ولكن على الرغم من أن فرص العمل في القطاع العام آخذة في التقلص، إلا أن فجوة الأجور في القطاع الخاص لا تزال تزداد اتساعا وتلقي بتداعياتها على الباحثين عن العمل.

وأوضحت أن تفضيل العمل في القطاع العام قد أثر بشدة على خيارات التعليم، مما زاد من التفاوت بين الأخير ومتطلبات القطاع الخاص. إذ إن الطلاب والمؤسسات الأكاديمية قد أعطوا الأولوية لمناهج العلوم الإنسانية وإدارة الأعمال التي كانت بمثابة بوابة الدخول المعتادة إلى الإدارة العامة - ورفضوا المناهج العلمية والهندسية. واختارت النساء على سبيل المثال، وبدرجة كبيرة إجراء الدراسات في العلوم التربوية، إذ كان معدل السعوديات العاملات في مدارس البنات 77 ٪ في عام 2010.

ويقدم البنك الدولي تحليلاً مفصلاً لسياسات السعودة، تتلخص بحسب الدراسة في ثلاث فئات رئيسة، وهي: التدابير الإدارية والسياسات المتعلقة بتعزيز الإنتاجية والتنقل والآليات اللامركزية القائمة على السوق فيما تم اتخاذ العديد من التدابير الإدارية لزيادة معدلات العمالة الوطنية في مختلف قطاعات الاقتصاد، يتمثل أشهر هذه السياسات في برنامج «نطاقات» الذي تم تقديمه في عام 2011 ويتم تحديثه منذ ذلك الحين.

برنامج نطاقات

وتندرج الشركات في برنامج «نطاقات» في نطاقات مختلفة اعتمادًا على نسبة العمالة الوطنية التي توظفها. ويحدد نطاق برنامج نطاقات قدرة الشركات على الحصول على تصاريح العمل وتجديدها للموظفين الأجانب، وتعتمد حصة العمالة الوطنية في القوة العاملة للشركة المطلوبة لكل نطاق من برنامج نطاقات على القطاع وحجم الشركة.

الجدير بالذكر أنه كانت هناك في الأصل أربع نطاقات، هي: البلاتيني، والأخضر، والأصفر، والأحمر. وواجهت الشركات في النطاق الأحمر فرض قيود على التوظيف وتصاريح العمل. كذلك تم في شهر يناير من عام 2020 وضع النطاق الأصفر تحت نفس القيود المفروضة على النطاق الأحمر، مما جعل نظام نطاقات أكثر تقييدًا. وقد ساهم نظام نطاقات منذ طرحه في نمو معدلات توظيف المواطنين في القطاع الخاص.

وبحسب الدراسة أدى السماح للمرأة بالقيادة إلى زيادة قدرتها على الحركة، فيما أدى توفر المساكن المدعومة إلى زيادة تنقل العمال في مختلف مناطق المملكة، فيما تؤدي السياسات اللامركزية القائمة على السوق إلى تقليص الفجوات في الأجور بين القطاعين العام والخاص، وبين المواطنين والأجانب. ويقدم صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» إعانات للموظفين السعوديين الجدد في القطاع الخاص لمدة تصل إلى عامين علاوة على ذلك، فإن برنامج دعم التوظيف الذي تم طرحه في عام 2019، يعد نظاما للتحويلات النقدية أثناء العمل للمواطنين العاملين في القطاع الخاص. ويغطي هذا البرنامج 51,000 موظف.

إعانات مساعدة تعمل هذه الإعانات على تقليص فجوة الأجور بين القطاعين العام والخاص لجذب المواطنين إلى العمل في وظائف القطاع الخاص، على ألا تزيد في الوقت نفسه من تكلفة توظيف المواطنين، كما أنها تعمل على تحسين القدرة التنافسية للمواطنين مقارنة بالأجانب. إضافة إلى ذلك برنامج ساند الذي تم طرحه في عام 2014، الذي يعد نظام تأمين يزيد من أمن دخل العاملين في القطاع الخاص. وتكمل هذه الإعانات برامج مساعدة مثل «حافز وقرار» التي تهدف إلى تقديم الإعانات المالية للباحثين عن عمل.

يمكن للتدابير الإدارية مثل نظام الحصص، أن تضمن تحقيق هدف سعودة معين في فترة زمنية قصيرة. إلا أن هذه التدابير قد ينجم عنها آثار جانبية مهمة من حيث جودة الوظائف التي يشغلها المواطنون. زادت حصص برنامج نطاقات من نسبة المواطنين الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور، مما يشير إلى أن بعض الوظائف المعلنة لم تكن فعالة. ولقد برزت هذه المشكلة بصفة خاصة في بعض القطاعات، مثل قطاع البناء والتشييد بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أن هذه الحصص كان لها تأثير كبير على توظيف المواطنين، إلا أنّها تمثل تكلفة مقدرة بالنسبة للشركات. وقد أدى ذلك إلى الحد من النمو وزيادة معدل خروج الشركات، لا سيما تلك التي لديها نسبة أولية منخفضة من العمال المواطنين تم تعديل معاملات نظام نطاقات بعدة طرق للتخفيف من الآثار الجانبية الناجمة عنه. كذلك تم تعديل بعض أهداف السعودة بخفضها في بعض القطاعات، ويمكن لمثل هذه التعديلات أن تساعد بطبيعة الحال على تجنب فقدان القدرة التنافسية الصناعية وتقليل الضغوط التصاعدية على التضخم في قطاع الخدمات.

دعم التوظيف

وأكدت الدراسة أن حصص العمالة الأجنبية قد تسبب تضخمًا في الأجور وتثني الشركات عن التوظيف من خلال زيادة القدرة التفاوضية للمواطنين. واقترحت الدراسة أن يتم دعم التوظيف في القطاع الخاص بالمملكة من خلال فرض رسوم على العمال الوافدين، مشيرة إلى أن زيادة تنقل العمال الوافدين بين القطاعات يمكنها أن تعمل على تقليص الفجوة الموجودة بين أجورهم وأجور المواطنين.

تعتبر مبادرة الإصلاح العمالي التي عملت على إزالة العوائق التي تعترض تنقل العمال الأجانب، خطوة جوهرية تصب في هذا الاتجاه.