طارق آل مزهود، عبدالرحمن الخثعمي - الدمام

مختصون في «ندوة اليوم»: ظاهرة سلبية تسبب الاكتئاب

اتخذوا من السخرية والترويع، ونشر المحتوى الفارغ، طريقًا سهلًا لتحقيق المزيد من المشاهدات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحت ذريعة المزح والفكاهة، مستخدمين في ذلك المقالب المؤذية للآخرين، فلم يردعهم تذمر المجتمع، ولا الأنظمة، وقبل ذلك تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فأمهم هدف واحد، يتمثل في الانتشار والتوسع، دون الاهتمام بمضمون ما يقدمونه.

وتسببت مقاطعهم في إظهار صورة نمطية سيئة عن بعض مناطق المملكة، أو اللهجات، وبثت الكراهية؛ نظرًا للجوء بعضهم للإساءة للعمالة الوافدة.

«اليوم» استضافت عبر «ندوة اليوم»، عددًا من المختصين والمواطنين، الذين أجمعوا على خطورة المقالب على الفرد والمجتمع والدولة.

حدود رادعة وجزاءات غليظة

قال المواطن «زاهر الحارثي» إنه لا يؤيد تلك المقالب، التي ينفذها مشاهير مواقع التواصل، والتي تؤدي إلى الذعر أو الاستهزاء، فهي غير مفيدة، وتسبب القطيعة والضرر.

وبيَّن أن مَنْ يتحمل مسؤولية السماح بهذه المقالب، هم القائمون على رصد ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعي، موضحًا أن الحل هو أن يتوقف هؤلاء عن عملهم، وعدم نشر وتداول هذه المقاطع، بالإضافة إلى وضع حدود رادعة مثل الغرامة المالية المغلظة.

أضرار على الأسرة والمجتمع

أشار المواطن «عمر الصافي» إلى أن الخبر السيئ والكاذب يكون فيه ضرر على الأسرة والمجتمع، خاصة أن متابعي مواقع التواصل، أصبحوا كثرا، لا سيما أن بعض هؤلاء جهلة، ولا يعرفون ضرر ما يقدمون، مضيفًا: «أرى أن التوعية للمجتمع بشكل أكبر أحد الحلول، وكذلك إنذار صاحب الحساب أو إغلاقه».

إيقاف الحسابات الحل الأمثل

بيَّن المواطن «صالح اليامي»، أن مثل هذه المقالب، مؤذية للشخص المقابل، وللأطفال مستقبلًا، وأن الشهرة الواسعة التي يحققها منفذو تلك المقالب، سمحت لهم بالتمادي فيها، أما الحلول، فتحتاج إلى اهتمام أكبر، ولا بدّ من وجود شخص يوجه مثل هؤلاء، وإبلاغهم بخطورة ما يقومون به، وإيقاف حسابات هؤلاء هو أحد الحلول.

«حرام شرعا» لترويع وتخويف المسلمين

قال عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بالدمام د. عبدالواحد المزروع، إن أصل المزاح مباح في الشريعة الإسلامية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمزح، ولكنه لا يقول إلا حقًا، فالمزاح مباح بشروط، وهي ألا يكون فيه استهزاء بالدين، وأن يكون المزاح صدقًا ليس فيه كذب، وأن يسلم من التخويف والترويع، وألا يكون فيه محرم كاستهزاء أو كلمات نابية أو غيبة أو نميمة، ويحسن اختيار وقت مناسب ومراعاة مَنْ يمزح معه، فليس كل أحد يصلح معه المزاح وليس كل وقت يصلح للمزاح.

وأضاف: إن هناك ما يسمى بـ«المقالب»، وهي مزاح ممزوج بفعل ضار أو مروع، فهو حسب الشروط أعلاه محرم، لأن فيها ترويعا وترويع المسلم محرم، ففي الحديث: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً»، وهنا سؤال: لو وافق الضحية على المقلب فإن الجواب أنه لا بد من تطبيق وتحقق الضوابط الشرعية للإباحة ومنها ألا يكون محرما والترويع محرم، ولا ضارا وما فيه ضرر يحرم، ولا يترتب عليه مفاسد وغالب المقالب تجر للأذى النفسي وربما القطيعة وربما ردة فعل غير محسوبة، وغالبا مَنْ يوافق، يوافق حياءً أو مكرهًا إكراهًا أدبيًا، فهو في موقع محرج له، وحتى لو لم يكن مكرها أو في موقف محرج فإنه لا بد من توافر الشروط للإباحة.

«سخافات» مرفوضة.. وأضرار مستمرة

أكد المواطن «عبدالرحمن الخميس»، أن بعض المقالب سيئة ومضرة للأطفال والكبار، وبعض المقالب فيها تمثيل وتصنع، وبالرغم من ذلك، إلا أن الضرر مستمر، لأن المتابعين يقلدون ما يشاهدون، مبينًا أنه يفترض بوزارة الإعلام، والوزارات الأخرى، الحد من هذه التصرفات التي تصل بعضها لسخافات لا يرضاها أحد، والعقوبات كثيرة ومتنوعة مثل الغرامات المالية، وإغلاق الحساب.

تقليد محفوف بالمخاطر

قال المواطن «خالد حيدر» إن ما يتم عرضه في مواقع التواصل الاجتماعي من مقالب مخجلة ومسيئة، يفترض عدم نشرها أو عرضها، لأن هناك أطفالا يتابعون، وقد تتسبب هذه المقالب بإصابات خطرة لهم عند تقليدها، متابعًا: «يجب علينا عدم نشر هذه المقاطع، وإيقاع عقوبة على أصحاب المقالب تصل لعشرة آلاف ريال».

تنشئة جيل «فاقد للقيم»

وصف المواطن «عبدالله العميرة»، المقالب المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الشيء المؤسف والسيئ»، الذي سيتسبب في نشوء جيل يفتقد للقيم، قائلًا: «نأمل أن نشاهد عقوبات رادعة لمثل هذه الممارسات مثل منعهم من السوشيال ميديا وإيقافهم».

تنوع العقوبات بحجم الضرر

قال المحامي حسام اللبابيدي، إن مقالب الاستهزاء والذعر تختلف تحديد مخاطرها، فمنها ما يصل للقتل غير المتعمد، ومنها ما يصل لجلطات قلبية، ومنها الأذى النفسي، ومنها المزاح المؤذي، وفي جميع الحالات هي خطر ومن الأفعال التي يلزم تفاديها فهي تعتبر من ترويع الآمنين، وحتى لو كان القصد المزاح أو اللعب أو بتربية كلاب أو حيوانات مفترسة حتى لو كانت مدربة فلا تخرج بها في أماكن عامة لأنها ستؤدي للخوف والرعب، وهذا ظلم وأذى، والإسلام نهى عن ذلك والعقوبات تتراوح بما يقع من جرم بحق المتضرر ففي حال الموت غير متعمد تصل لدفع الدية والسجن ويرجع ذلك للقضاء والتعزير.

وأضاف اللبابيدي: إنه يلزم وضع عقوبات في الحالات العامة أكثر شدة بهذا الخصوص، وأنه يحق للمتضرر التعويض واللجوء للقضاء أيضًا كما هي في استخدام السلاح في مناسبات الزواج وتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا».

غرامات لائحة «الذوق العام»

أكد المدير العام للجمعية السعودية للذوق العام بدر الزياني، أنه ورد في لائحة الذوق العام، الصادرة عن وزارة الداخلية، ووزارة السياحة، بند رقم 16، وينص على «التلفظ بقول أو الإتيان بفعل في الأماكن العامة فيه إيذاء أو إخافة لمرتاديها أو تعريضهم للخطر»، غرامة مالية قدرها 100 ريال المرة الأولى، و200 ريال للمرة الثانية.

وأضاف: إنه للمتضررين التقدم للجهات ذات الاختصاص، وتسجيل شكوى لديهم، وأن من أهم قيم الذوق العام، الاحترام، وهذه الممارسات تقلل احترام الآخرين، والاستهتار بهم، ما قد يلحق المتلقي للمقلب بأضرار نفسية وجسدية ومعنوية، لا سيما أن هناك أطفالا يتابعون تلك المقالب على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقلدونها.

تشريعات وأنظمة تعاقب المسيئين

ذكر الكاتب الصحفي محمد العصيمي، أن هذه المقالب المنتشرة بين مشاهير «السوشيال ميديا»، لا بد أن ينظر إليها من الجهات المعنية، خاصةً أن هناك تشريعات وأنظمة تتعلق بمَنْ يمارس إساءة ويرتكب المقالب بأي شكل يسيء للآخرين.

وأشار إلى أنه يجب تغليظ العقوبات على مَنْ يمارس هذه الأفعال أمام الجمهور، ويتمادى في ممارسة هذه الأفعال التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة.

وأضاف إن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت أضرارها أكثر من منافعها، وأصبح على الجميع تعظيم شأن الأنظمة والقوانين، التي تحفظ على المجتمع والأسر والأفراد سلامتهم الشخصية والجسدية والنفسية.

معاقبة كل من يمس بالحياة الخاصة

أشار المستشار القانوني فهد الكبريش، إلى أن من الظواهر السلبية المُنتشرة في أوساط المُجتمع، ظاهرة مقالب الاستهزاء، وترويع الآخرين، وقد يصل مع الأسف في البعض التمادي إلى توثيق ذلك ونشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وصدرت مؤخرًا عدة قرارات من الدولة لردع مثل هذه التجاوزات المُتمثلة في التعدي على الآخرين، ونص نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، على مُعاقبة كل من يمس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها بالسجن لمدة لا تزيد على سنة وبغرامة تصل إلى خمسمائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كما ورد في جدول تصنيف مخالفات الذوق العام الصادر بقرار وزير الداخلية رقم «946» وتاريخ 29/‏1/‏1441هـ على أن التلفظ بقول أو الإتيان بفعل في الأماكن العامة فيه إيذاء أو إخافة لمرتاديها أو تعريضهم للخطر عقوبته مبلغ «100» ريال للمرة الأولى، وفي حال التكرار تُضاعَف العقوبة.

وجاءت هذه العقوبات تأكيداً للمبدأ الجنائي «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، وصدرت من وُلاة أمرنا تنظيماً للمصلحة العامة، تأكيداً على التزام المجتمع السعودي بالمبادئ والقيم الإسلامية التي تستنكر مثل هذه التصرفات العبثية وغير اللائقة، وتحقيق الاستقرار بشؤون حياة المجتمع، وحفظاً للحق الشخصي، بردع كل مَنْ تُسول له نفسه التعدي بالاستهزاء أو بث الذعر في نفوس الآخرين، والمساس بشيء من ذلك سواء على أرض الواقع، أو إلكترونياً، وقد أعطت الفقرة (4) في (أولاً) من قرار وزير الداخلية الحق لكل مُتضرر من المخالفة المُطالبة بحقه الخاص.

كما نصت الفقرة «خامسًا» من قرار وزير الداخلية أعلاه على أن يُراجَع جدول المُخالفات سنوياً من الجهات ذات العلاقة، ومن المُناسب أن يُعاد النظر بتصنيف عقوبة التلفظ بالقول والإيذاء عند تكرارها لتكون جريمة، حيث إن مثل هذه التعديات لابد أن تترك أثراً نفسياً بالغاً على المُعتدى عليه، لما في مثلها من أذى صريح، ينبغي بحال إعادة ارتكابها، اعتبارها جريمة بدلاً من مُخالفة، وبالذات إن رَتبَ ضرر المُعتدي أو الجاني -عند عودته لارتكاب ذات المُخالفة- ضرراً جماعياً، تُهدد خطورته مصلحة المجتمع، ولذا يحسُن تحديد عقوبات مُلائمة لها تصبح أشد من عقوبة المُخالفة العادية لتتحقق فيها أغراض العقاب بما يحفظ المُجتمع ويُحقق العدالة والزجر العام والإصلاح والتأهيل والأمان.

إضرار بصورة المملكة أمام العالم

قال الباحث السياسي وأستاذ الإعلام والاتصال المساعد بجامعة الملك سعود د. أحمد المعيدي، إن هذا الموضوع في غاية الأهمية والخطورة، ويعتقد منفذوه أنها مقالب مضحكة ومسلية، والتي تعتمد بشكل كبير على الإساءة من الآخرين والسخرية منهم، والتنمر عليهم، أو إيذائهم عاطفيًا وجسديًا من خلال إرعابهم أو الاعتداء عليهم.

وأضاف: إن مثل هذه المقالب تضر بصورة البلد بشكل عام، وصورة الإسلام والعروبة والمواطن السعودي كذلك، في ظل التأطير السلبي الذي يمارسه الإعلام الغربي ضد المملكة، موضحًا أن الصورة النمطية لدى الغرب مشوشة وسيئة، وتعتمد في مقامها على أن السعوديين يشترون بمالهم كل شيء، ويعتقدون أنه شعب جاهل وحشي.

وأكمل: «من الصور السلبية عدم احترامنا للثقافات الأخرى، وعدم التعايش، ومتعصبون، ونسيء لمكونات المجتمع، وكل هذه الصور النمطية إذا وجد الغرب عليها أدلة نقدمها لهم على طبق من ذهب من خلال التصرفات المسيئة في مثل هذه المقالب».

وتابع: «كل هذه التصرفات ترسخ لدى الغرب النظرية السيئة عن السعودية والسعوديين، ومثل هذه المقالب المؤسفة المسيئة يجب أن تتوقف فورًا، وهناك طرق كثيرة لإيقافها مثل التنبيه وتوعية المجتمع بخطورة ما يقوم به هؤلاء الأشخاص من إساءة وتجريح للآخرين وربما في القتل، كذلك من الطرق التذكير بأن الإنسان مقدر ويحرم الإساءة له والعقوبات الصارمة التي تقضي على هذه التصرفات كذلك نفس الأشخاص الذين يقومون بهذه المقالب يتم توعيتهم ومن ثم عقابهم في حالة التكرار والتشهير بهم، والعقوبات يجب أن تشمل عقوبات اجتماعية ومالية ومن ذلك منعهم من استخدام منصات التواصل الاجتماعي كما لا بد من تكريس التوعية من هذه الممارسات عبر منابر الخطب والمدارس يجب أن تقوم وزارة الإعلام والتعليم وبقية الوزارات بدورها وكذلك تقوم الأسر بدورها».

الأسرة «محور ارتكاز» السلوكيات

شدد المختص الأسري محمد القرعاوي على أن دور الأسرة محور ارتكاز تجاه هذه السلوكيات على عدة جوانب، الجانب الأول رصد هذه السلوكيات والانتباه لها مع الأبناء، ومناقشة كل سلوك دخيل على القيم، وعرضه عليهم من ناحية حرمة ترويع الآخرين، أو الانتقاص منهم، وما ينتج عن هذا من إحباط الأعمال، أو اكتساب السيئات في هذا الجانب.

ولفت إلى ضرورة النصح بعدم متابعة من ينشر هذه السلوكيات الدخيلة على القيم الأسرية، وعرض بعض الحالات التي تم رفع القضايا بشأنها ضد من يقوم بها تجاه الآخرين، متابعًا أنه على الأسرة كذلك طرح الثقة في الأبناء؛ لعرض ما يشاهدونه من مقاطع تستخف بالآخرين، حتى لا يتسرب هذا السلوك، ويكون معتادا لدى الأبناء، واعتباره من الأمور المقبولة، خاصةً إذا تسلل إلى نفوسهم، وترسخ في ذواتهم أنه من المزاح المقبول.

أما الجانب الثاني، فأوضح أنه جانب الحماية، وهذا يتطلب وضع قيم داخل الأسرة، يكون متفقا عليها من الجميع، وعدم تجاوزها، وكذلك الاتفاق على حذف أي مقطع يكون في هذا المسار، أو عدم متابعة من ينشرون هذه السلوكيات، ووضع حدود مع الأبناء على شكل نقاط، ومخالفة الابن في حالة عرض أو متابعة ممارسي هذا السلوك.

وعن الجانب الثالث، فتقع كثير من الأسر في ممارسة قبول هذه السلوكيات من الأبناء، بالاستمتاع معهم في استعراض هذه المقالب، أو الاستهجان والضحك معهم، وكأنها موافقة ضمنية على قبولها، والأمر الآخر، هو ترك الأبناء في المتابعة، وإرسال واستقبال تلك المقالب، دون إشعارهم بخطورة الأمر في تأصل هذه السلوكيات في نفوسهم وعدم الشعور بمسؤولية الخطر القائم من هذه السلوكيات.

«اكتئاب ما بعد الصدمة»

قال المختص النفسي فهد القرني إن المزاح المنتشر حاليًا في مواقع التواصل الاجتماعي، هدفه الرئيس زيادة المتابعين، وهو مزاح مسيء، وأثر هذه المقالب نفسيًا يكون بعد حدوث الموقف أو ما يعرف بالصدمة، وهناك اكتئاب يسمى اكتئاب ما بعد الصدمة، موضحًا أن هناك أناسا يتعرضون بسبب ذلك لخوف مفاجئ ونوبة اكتئاب خاصة للأطفال أو المغتربين.

وتابع القرني: إن البعض يدخل على زملائه حيوانات مفترسة تحت غطاء المقالب وهذه أضرارها النفسية تستمر لفترة طويلة لا يدركها القائمون على هذه المقالب.