د. عبدالوهاب القحطاني

تعتبر الطاقة النفطية أكثر أنواع الطاقة استخداماً في العالم منذ أكثر من قرن من الزمن إلى اليوم، لكنها مهدد للبيئة من حيث الانبعاث الحراري وكذلك الكربوني الذي يهدد البيئة من هواء وماء وتربة إضافة إلى الإنسان والحيوان والنبات، لذلك تبحث الدول عن طاقة بديلة نظيفة مثل الطاقة الخضراء. لقد زاد الاهتمام بالاستثمار في الهيدروجين الأخضر كوقود يعتمد إنتاجه على عملية تحليل الماء المكون من الأكسجين والهدروجين، وذلك لتوليد الطاقة الكهربائية بالاعتماد على طاقة ناتجة عن مصادر الطاقة المتجددة، فتحقق بذلك دورة كاملة تنتج وقودًا نظيفاً يراعي البيئة، لأن الهيدروجين بحد ذاته وقود نظيف يستخدم في خلايا الوقود الهيدروجينية لتشغيل السيارات وربما وقود مناسب للطائرات في المستقبل. الميزة الطيبة للهيدرجين الأخضر أنه لا يصدر انبعاثاً كربونياً خطيراً في البيئة نتيجة الاعتماد عليه، حيث إن الانبعاث الوحيد هو الماء.

العملية التقليدية لإنتاج الهيدروجين تكون بالاعتماد على الوقود التقليدي الأحفوري الذي يعد عملية ضارة بالبيئة وما تحويه من مكونات أساسية. ينتج العالم اليوم حوالي نحو 95% من الهيدروجين عبر عملية تتطلب طاقة يحصل عليها من حرق الوقود الأحفوري، مثل الغاز الطبيعي، ما يعني أن الهيدروجين في هذه الحالة أخضر من الجانب الاستهلاكي فقط، لكنه يتسبب من جانب الإنتاج في تأثير بيئي سلبي كبير على الإنسان والحيوان والنبات والهواء. فإذا تمكّن العالم من تحويل إنتاج الهيدروجين إلى هيدروجين أخضر بدورة إنتاج نظيفة ومنخفضة الكربون، وسيكون وقود الهيدروجين متوفرًا كمصدر طاقة مستدامة بنسبة عالية.

لقد شهد قطاع صناعة الطاقة المتجددة إطلاق عدد أكبر من مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر في معظم أنحاء العالم، لتنمو تدريجيا وباستدامة حصة هذا الوقود النظيف في إمداد العالم بالطاقة في المستقبل. تجاوز إنتاج مشاريع الهيدروجين الأخضر عالميًا 60 جيجاواط في عام 2020، أي ما يعادل إنتاج نحو 187.5 مليون خلية شمسية، و25000 توربين رياح، وهذا يكفي لإضاءة 6.6 مليار مصباح ليد. وقد كان 2020 بذلك عامًا استثنائيًا في مجال تطوير الهيدروجين الأخضر. وتوقع تقرير أصدرته شركة استراتيجي آند الشرق الأوسط، أن يصل حجم السوق العالمي لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى 300 مليار دولار بحلول عام 2050، ما يوفر نحو 400 ألف فرصة عمل في قطاع الطاقة المتجددة في العالم. ومن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر إلى نحو 530 مليون طن متري بحلول عام 2050، ليكون بديلًا عن استخدام نحو 10.4 مليار برميل نفط.

يعد قطاع الطاقة المتجددة الأسرع نموًا في العالم، حيث ينضوي تحتها وقود الهيدروجين الذي من أفضله الأخضر النظيف. ومن المحتمل أن نشهد نمو عدد كبير من شركات إنتاج الهيدروجين في العقود العديدة المقبلة. تستثمر المملكة العربية السعودية بشكل كبير في مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتعاونت في سياق جهودها مع شركة أمريكية تدعى إير برودكتس لتطوير مصنع أخضر لإنتاج الهيدروجين قادر على إنتاج 650 طنًا من وقود الهيدروجين الأخضر يوميًا. ويتلقى هذا المشروع استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، ويمكن أن تشير هذه الاستثمارات إلى دلالات تحول في قطاع الصناعة الخضراء، خاصة مع هذا الاستثمار الكبير من دولة عملاقة مثل المملكة في مجال الطاقة.

لقد تم توقيع الاتفاقية السعودية الألمانية بين وزير الطاقة السعودي ونظيره الألماني لتنفيذ مشروعاتٍ ترتبط بتوليد وقود الهيدروجين المنخفض الكربون ومعالجته واستخدامه ونقله، بما في ذلك المشروع المُقام في نيوم، وإنشاء مجمعات للابتكار تضم المؤسسات البحثية والشركات الصناعية الرائدة من البلدين، وتأسيس صندوق ثنائي للابتكار بهدف تعزيز تقنيات الهيدروجين النظيف، واستخدام التقنية الألمانية في تنفيذ وتوطين المشروعات الناشئة، التي ترتكز على التقنية الجديدة في السعودية، وتكثيف الحوار بين الطرفين حول السياسات التنظيمية والأطر التمويلية اللازمة لتطوير قطاع الهيدروجين النظيف.

@dr_abdulwahhab