اليوم - الوكالات

الخوف دفع الآلاف للهجرة إلى أوروبا في العامين الماضيين

لم يناقش البرلمان التركي اتفاق التعاون في «تسليم المجرمين» بعد، لكن ذلك يوازيه شكوك ومخاوف داخل المجتمع الإيغوري في البلاد، من ترحيل وتسليم البعض منهم إلى بكين بموجب هذه المعاهدة، التي رافق طرحها تقارير غربية تحدثت عن عمليات اعتقال ومداهمات نفذتها أنقرة في الأشهر الماضية، وطالت عددا من الشبان الإيغور، في عدة ولايات، على رأسها إسطنبول، بتهم «الإرهاب».

ويشير نشطاء الإيغور في الشتات إلى تحول كبير منذ 26 ديسمبر الماضي، عندما صادقت اللجنة الدائمة لمجلس الشعب الصيني على اتفاقية تسليم من وصفتهم الاتفاقية بـ«المجرمين» مع تركيا، وتوصف بـ«المعاهدة الخطيرة».

ولم تتضح تفاصيل التهم التي دفعت السلطات التركية لاتخاذ هذه الإجراءات، بينما اتجهت أحزاب من المعارضة التركية، مؤخرا للتحذير من المصادقة على الاتفاقية مع الصين، لا سيما أن قضية الإيغور في البلاد تعتبر «قضية وطنية».

ومن بين هذه الأحزاب «المستقبل»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء التركي الأسبق، أحمد داوود أوغلو.

وما تشهده أوساط المجتمع الإيغوري في تركيا من خوف وقلق حيال «اتفاقية تسليم المجرمين» دفع الآلاف منهم للهجرة إلى أوروبا، في العامين الماضيين، سواء بصورة رسمية لمن يملك أوراقا ثبوتية وقانونية أو عبر طرق التهريب، عبورا بالبحر من اليونان.

القلق والخوف

وعلى اعتبار أن الحزن يرتبط بالانتهاكات وعمليات التعذيب والإخفاء القسري الذي تمارسه الحكومة الصينية بحق أكثر من مليون مسلم من الإيغور، فإن مشاعر القلق والخوف ناجمة عن التقارب الكبير الذي تشهده العلاقة بين بكين وأنقرة، سواء على المستوى الاقتصادي أو فيما يخص صفقات اللقاحات، وصولا إلى اتفاقية «تسليم المجرمين» المتبادلة التي تتجه الأنظار عليها الآن.

ولأكثر من شهرين لم يتردد الناشط الإيغوري، جيفلان شير محمد، بالمشاركة في المظاهرات أمام القنصلية الصينية في إسطنبول، للمطالبة كغيره من آلاف الإيغور الذين يعيشون في البلاد، بإطلاق الصين سراح ذويهم وإغلاق معسكرات الاعتقال ووقف «الإبادة الجماعية».

جيفلان الذي فقد التواصل مع عائلته في الصين منذ سنوات، تنعدم الخيارات بيده حاليا للوصول إلى أي خبر عن والدته التي اعتقلتها السلطات الصينية، وأحالتها إلى معسكرات الاعتقال، بسبب زيارتها تركيا عام 2013 لرؤية ابنها.

ونقل موقع «الحرة»، عن جيفلان «لم يقف الأمر عند اعتقال أمي بل اعتقلوا أبي وإخوتي، وفي 2018 أفرجت السلطات الصينية عنهم، لكنها أبقت على أمي في معسكرات الاعتقال الجماعية، لا أدري إن كانت على قيد الحياة أم توفيت».

وعلى الرغم من حصوله على شهادة الحقوق من الجامعات التركية، فإن جيفلان لا يمكنه العمل كمحامٍ هناك، كونه لا يحمل الجنسية التركية حتى الآن، ومنذ وصوله إلى البلاد في 2008 حاول حل مشكلاته القانونية المتعلقة بأوراقه الثبوتية، إلا أنه لم يتمكن من تحقيق ذلك.

أوراق ثبوتية

ومنذ سنوات ترفض القنصلية الصينية في إسطنبول تجديد وثائق الإيغور في تركيا أو منحهم جوازات سفر وأوراقا ثبوتية لإتمام معاملات الزواج والدخول في الجامعات، ويشير جيفلان إلى أنهم تلقوا عدة وعود بشأن ذلك، لكنها لم تصدق (القنصلية الصينية)، في ممارسات وصفها بـ «اللعبة السياسية».

وكونه محاميا ويعي التفاصيل المتعلقة باتفاقية «تسليم المجرمين»، يوضح جيفلان أن الاتفاقية التي يدور الحديث عنها بين بكين وأنقرة «وضعتنا تحت توتر وقلق، كوني حقوقيا أفهم السياسات التي تدور حاليا».

ويتابع: «هذه ليست المرة الأولى التي توقع فيها تركيا على هكذا نوع من الاتفاقيات، فهناك 30 دولة أخرى أيضا إلى جانبها، لكن الفرق يكمن في الهدف الذي يكمن وراءها»، وحسب الناشط الحقوقي الإيغوري، فإن الهدف الذي ترنو إليه بكين هو «المسلمون الإيغور».

ويرى حقوقيون أن اتفاقية «تسليم المجرمين» تميل إلى حد كبير لصالح الصين، حيث يتم تطبيق عقوبة الإعدام، وبالتالي فإن الآلاف من الإيغور قد يكونون معرضين لخطر عقوبة الإعدام، إذا عادوا إلى الصين بموجب المعاهدة المذكورة.

في المقابل، زعم مصدر مقرب من الحكومة التركية أن الحديث الذي يتردد بشأن اتفاقية «تسليم المجرمين» مع الصين، وما تبعها من تقارير أفادت بعمليات اعتقال ومداهمات لمنازل الإيغور في تركيا هو «حديث عار عن الصحة».

وسبق وأن أعلن مساعد وزير الداخلية التركية، إسماعيل تشاتاكلي، أواخر العام الماضي أن المزاعم بشأن ترحيل تركيا 50 ألفا من أقلية الإيغور وإرسالهم إلى الصين «لا أساس لها من الصحة».

قلق حقيقي

ويقول المدافع عن حقوق الإيغور، سييت تومتورك: إن «هناك اتفاقا بين تركيا والصين على إعادة المتهمين بالإرهاب، وهذا يمثل قلقا حقيقيا للتركستان الشرقيين».

ويضيف تومتورك الذي يرأس الجمعية الوطنية لتركستان الشرقية، وهي جماعة للدفاع عن حقوق الإيغور: «في الحقيقة وبالعودة إلى 2007 كان هناك عمليات ومداهمات في منتصف الليل لمنازل الإيغور، من دون التمييز بين رجال أو نساء، شيوخ أو أطفال فقد تم توقيفهم».

ونشرت تلك المعلومات في تلك الفترة في وسائل الإعلام، ويشير تومتورك إلى أن «هذه حوادث محزنة، لكن المحزن أكثر بأن نسبة 99% من المُوقفين تم توكيل محامين لهم، وبعد بدء العمل الحقوقي تم إطلاق سراحهم».

ويتابع المدافع عن حقوق الإيغور بحسب «الحرة»: «ذلك يعني لو أن الموقوفين كان عندهم جرم لما تم إطلاق سراحهم، وإذا كانوا غير ذلك لمَ تم توقيفهم؟ وهو ما يضع إشارة استفهام حقيقية حول ذلك؟».وخلال السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة هناك «بعض الآلاف من الإيغور» هربوا من تركيا إلى أوروبا، بسبب القلق الذي مصدره الخوف من إعادتهم إلى الصين.

ويوضح تومتورك قوله: «في 25 من شهر ديسمبر أصدر البرلمان الصيني إصلاحا دستوريا لوثيقة الاتفاق المشترك لمحاربة الإرهاب وإعادة المجرمين لتوقيعها من الرئيس الصيني، وقد طلب نفس الأمر من تركيا».

وأضاف «هذا ساهم في زيادة قلق الإيغور، نأمل ألا نعيش في تركيا فاجعة لمرة أخرى، مثل هذه الاتفاقية في الحقيقة للإيغور ما هي إلا محرقة كبيرة».