حسام أبو العلا - القاهرة

تخشى ضياع نفوذها بعد اختيار سلطة جديدة للبلاد

تسعى تركيا إلى إجهاض الاستقرار في ليبيا بعد قرار منح البرلمان الثقة للحكومة الجديدة إذ رصدت مواقع تتبع الطيران العسكري فوق البحر المتوسط، وصول 3 طائرات شحن عسكرية إلى البلاد.

وقالت إشارات الرصد: إن الطائرات التركية هبطت في مصراتة وقاعدة الوطية.

ودأبت تركيا على نقل السلاح والعتاد العسكري لمرتزقتها والميليشيات المتحالفة معها في الغرب الليبي، حيث تتخوف من ضياع نفوذها بعد اختيار سلطة جديدة للبلاد.

يشار إلى أن المرصد السوري لحقوق الإنسان ذكر في آخر إحصاء له أن «ليبيا يوجد بها حاليا نحو 20 ألف مرتزقة سوري تابعون لتركيا».

فيما استبعد الكاتب الصحفي الليبي المقيم في بروكسل جبريل أوحيدة، قيام أي أعمال عسكرية في البلاد قريبا، متوقعا أن تساوم تركيا الليبيين بدلا من «الناتو» مقابل خروجها من البلاد.

وقال أوحيدة في تغريدة له عبر تويتر: باستبعاد شبح العمل العسكري عمليا، تركيا ستساوم الليبيين بالإنابة عن «الناتو» رحيلها من البلاد بثمن باهظ جدا شبيه لما دفعته ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وتابع: البعض يعتقد أن بيع الأوطان هو مجرد سحابة صيف.

لقاء سري

وكشفت تقارير إعلامية عن لقاء غير معلن بين المبعوث الأممي لدى ليبيا، يان كوبيتش، ومسؤولين أتراك، في أثناء زيارة الأول إلى أنقرة؛ حيث تم إبلاغه بالتزام أنقرة رسميا بالبند الخاص بسحب المُقاتلين السوريين من ليبيا.

وقالت المعلومات: إن مسؤولين أتراك تعهدوا لكوبيتش بسحب المرتزقة، مشددين على أن وجود هؤلاء المقاتلين كان بموجب تفاهمات بين حكومة الوفاق وأنقرة وبعض الفصائل المسلحة السورية الموالية لتركيا.

ولفتت التقارير إلى أن أنقرة قامت بسحب أكثر من 80% من العدد الموجود في ليبيا، على أن يتم الترتيب لنقل البقية تباعا.

وبخصوص عناصر الأمن الأتراك والمدربين في القواعد العسكرية بالخُمس وطرابلس ومصراتة؛ فقد أوضح الجانب التركي للمبعوث الأممي، أن وجود هذه العناصر قانوني بموجب الاتفاق مع حكومة «الوفاق»، وأن رئيس الحكومة الجديد، عبدالحميد الدبيبة، أكد التزامه باحترام الاتفاق البحري والأمني، بحسب المصدر.

على صعيد متصل، خرجت الحكومة الانتقالية الليبية، برئاسة عبدالحميد الدبيبة، إلى النور بعد نيل ثقة البرلمان بأغلبية كبيرة إثر ثلاث جلسات ماراثونية شهدت الكثير من الشد والجذب، في تطور وصفه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح بأنه «حدث تاريخي».

وهذه خطوة اعتبرها الكثير من المراقبين الأبرز في محطات الأزمة الليبية المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، وجاءت بعد ثلاثة أيام من المناقشات المكثفة والشائكة بشأن التوزيع الجغرافي والعشائري للمناصب الوزارية وخارطة الطريق الخاصة بها، ليوافق مجلس النواب على تشكيلة الدبيبة بأغلبية 121 صوتا من أصل 132 نائبا حضروا الجلسات.

الحقائب الوزارية

وتتكون الحكومة الجديدة من 27 حقيبة وزارية و6 وزراء دولة ونائبين لرئيس الحكومة، الذي احتفظ بحقيبة الدفاع.

واعتبر الدبيبة «منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية لحظة تاريخية لليبيا»، وقال: من الآن شعارنا «ليبيا موحدة»، سأعمل لإنجاح المصالحة الوطنية ودعم مفوضية الانتخابات، وأدعوكم اليوم لتعويض فترة الانقسام في ليبيا، فهناك استحقاقات تنتظرنا، أبرزها قانون الموازنة الموحدة وقانون الانتخابات. وقوبل منح الثقة بترحيب عربي ودولي واسع، وداخليا أعرب التجمع الوطني الليبي، عن ارتياحه لهذا التطور.

إلا أن الأمانة العامة للتجمع الليبي، قالت في بيان: إنه ينبغي للحكومة التركيز على عدد من الملفات، وأهمها توحيد المؤسسات كهدف رئيس، والإسراع بالتعامل مع الوضع الصحي والوبائي الخطير بمختلف مناطق ليبيا وتوريد اللقاحات، ودعم القطاع الصحي شبه المنهار، إضافة إلى معالجة ملفات النازحين والمهجرين والمعتقلين.

ٔولفتت الأمانة إلى أهمية «اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإطلاق مسار المصالحة الوطنية وتثبيت الهدنة الشاملة، ومباشرة العمل الجاد من أجل ضمان تنظيم الاستحقاق الانتخابي في موعده المقرر وفق خارطة الطريق، وتحرير الإرادة السياسية من الهيمنة الأجنبية والتدخل الأجنبي، وتجميد أية اتفاقية تؤثر في أمن وسلامة واستقرار البلاد، ووضع ميثاق شرف وطني ملزم». ٔودعت الأمانة العامة للتجمع الوطني الحكومة الجديدة أيضا إلى الضغط على وسائل الإعلام كي «تساعد على التقارب وجسر الهوة بين الليبيين والتوقف عن لعب دور التعبئة والتحريض الداخلي والخارجي، والأخذ بمخرجات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 واجتماعات المسار الاقتصادي بما يصون مقدرات الشعب الليبي ويخرج البلاد من أزمتها، ويحقق أمنها واستقرارها». ٕتلخيص المهاموربما لخص التجمع الوطني الليبي أثقل المهام التي سيتعين على الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي برئاسة محمد المنفي التصدي لها، وفي مقدمتها الاستعداد وتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات قبل 24 ديسمبر القادم، وإعادة توحيد المؤسسات الليبية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية بحلول هذا الموعد.

وعلى قدر جسامة وثقل المهمة ربما ينظر الكثير من المراقبين بعين الأمل لإمكانية حدوث انفراجة حقيقية تساعد على خروج ليبيا من أتون الصراعات، وألا يكون مصير هذا التطور كغيره من المحاولات السابقة التي آلت إلى الفشل، أخذا في الاعتبار المتغيرات فيما يتعلق بالقوتين المتنافستين داخليا وإشارات على حدوث مستجدات بشأن علاقات الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية ببعضها بعضا.

فداخليا، أبدت حكومة الوفاق في طرابلس، والحكومة المؤقتة في الشرق، استعدادهما لتسليم السلطة للحكومة الجديدة. وأكد فايز السراج رئيس حكومة الوفاق في بيان استعداد حكومته «لتسليم المهام والمسؤوليات لحكومة الوحدة الوطنية بكل رحابة صدر».

بينما هنأت الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني، في بيان، رئيس وأعضاء حكومة الوحدة على نيل ثقة مجلس النواب، مبدية استعدادها التام لتسليم المهام ووزاراتها وهيئاتها ومصالحها ومؤسساتها كافة لحكومة الدبيبة «متى شكلت اللجان المختصة».

ومن المؤكد أن هذه تطورات تشي بطي صفحة مريرة من الصراع في ليبيا، التي شهدت انقساما حادا، وازدواجية في البرلمان والحكومات؛ حتى كان هناك بنكان مركزيان، فيما انتشرت الميليشيات المسلحة لتعم الفوضى ويستعر القتال، مخلفا آلاف القتلى والمشردين في بلد يزخر بالثروات، وكان يوما من أكثر الدول الأفريقية ازدهارا وأحد كبار مصدري النفط بالقارة السمراء.

ومن المقرر أن تؤدي الحكومة الجديدة اليمين الدستورية يوم غد الإثنين في مدينة بنغازي شرقي البلاد إيذانا ببدء صفحة جديدة في تاريخ ليبيا.