فيصل الظفيري

حضرت قبل فترة قريبة محاضرة افتراضية عن «الإدارة المحلية ما بعد الجائحة» نظمها مركز الإدارة المحلية بجامعة الأمير سلطان مع خبير عالمي من جامعة هارفارد تحدث عن المدن المستدامة. والمحاضر دعا إلى الاستفادة من التجارب العالمية في مجال استدامة المدن وتحقيق جودة الحياة فيها وأكد على أهمية استقطاب التجارب العالمية والخبراء للاستفادة من خبراتهم وتجاربهم لتعزيز الاستدامة وجودة الحياة في مدننا، وقد شَعرتُ وهو يصف حال هذه المدن وكأنه يتحدث عن مدينة الجبيل الصناعية، هذه المدينة التي أنشأتها حكومة المملكة العربية السعودية عبر الهيئة الملكية للجبيل وينبع لتكون معلما وصرحا يضم بين جنباته أبرز وأهم الصناعات البتروكيماوية، وقد أوجدت بذلك موطنا لسعودة الوظائف وبناء جسور سهلت انتقال التكنولوجيا للصناعات المتخصصة إلى مملكتنا، حيث كانت تلك التقنيات قبل ذلك حصرا على الدول الغربية وغيرها من الدول المتقدمة صناعيا.

والجبيل الصناعية هي في الحقيقة مدينة المفارقات، فقد تم تطويرها بسواعد أبنائنا حتى أصبحت اليوم أكبر مدينة صناعية في العالم، ولكنها ليست صناعية فحسب وإنما هي مدينة مثالية من الدرجة الأولى تتحقق فيها كل متطلبات ومظاهر جودة الحياة التي قد يحلم بها السكان للعيش الكريم، وهي اليوم مدينة يتمنى المواطن والمقيم أن تكون كل مدن المملكة شبيهة بها، وتحاكي ما تمتلكه من جاذبية حضرية أخاذة، مدينة تطبق فيها أفضل المعايير وأهمها، وليست المعايير الصناعية فحسب، ولكن سم ما شئت من المعايير، ففيها أفضل معايير البيئة وأفضل معايير البنية التحتية، وأفضل معايير التعليم العام والتعليم الفني والتقني، وكذلك التعليم العالي، وأيضا أفضل معايير البناء المستدام، وأفضل معايير مياه الشرب والقائمة تطول وتطول حتى أظنها لا تنتهي، وقصص النجاح في هذه المدينة الفتية التي لا يتجاوز عمرها اليوم الـ 46 عاما تشهدها في كل مجال، فمن بنية تحتية متكاملة إلى مشاريع مستدامة تتحقق فيها أعلى مستويات الرفاهية وجودة الحياة. وقد استطاعت الهيئة الملكية تحويل هذه المدينة إلى جنة خضراء عبر زراعة أكثر من 369 ألف شجرة وأكثر من 950 ألف شجيرة وما يفوق الـ 2 مليون و178 ألف متر مربع من المسطحات الخضراء حتى أصبح نصيب الفرد الواحد أكثر من 88 مترا مربعا من المساحات الخضراء.

هذه المدينة متى ما أقبل عليها الزائر حتى كانت رسالته أين كنت عن هذا التطور من قبل، لماذا لم أعلم عنه من قبل، بل للأسف الشديد كثيرون في بلادنا لا يعلمون عن هذا التطور الذي صنعته الحكومة السعودية عام 1975م. فرغم الجهود الإعلامية المحلية التي تبذل، إلا أننا نحتاج بين الحين والآخر أن نسلط مزيدا من الأضواء على هذا المنجز السعودي العالمي لتمكين الاستفادة من استكشاف التجارب الناجحة فيه، وتعظيم الفائدة من قصص النجاح في مدينة الجبيل الصناعية، والتعرف على تفاصيل هذه التجارب، والتي برأيي لن تساعد في تحقيق كفاءة الإنفاق فقط، بل ستدعم الاستثمار التجاري والسياحي في هذه المدينة ليتعرف أبناء مملكتنا على مدينة صناعية سياحية متكاملة قلما تجد مثلها في مدن العالم أجمع.

@dhfeeri