علي بطيح العمري يكتب:

قصة قديمة رواها عبدالوهاب مطاوع صاحب (صديقي كتاب لا تأكل نفسك) عن مجموعة من «القنافذ» اشتد بها البرد ذات ليلة من ليالي الشتاء، فاقتربت من بعضها وتلاصقت طلباً للدفء والأمان، فآذتها أشواكها فأسرعت تبتعد عن بعضها.. ففقدت الدفء والأمان، فعادت للاقتراب من جديد بشكل يحقق لها الدفء والأمان ويحميها في نفس الوقت من أشواك الآخرين، ويحمي الآخرين من أشواكها.. وفي آخر القصة قال الكاتب: فاقتربت القنافذ ولم تقترب، وابتعدت ولم تبتعد... وهكذا أيضا ينبغي أن يفعل الإنسان، فالاقتراب الشديد من الجميع قد يغرس أشواكهم فينا ويغرس أشواكنا فيهم.. والبعد عنهم أيضا يفقدنا الأمان ويجعل الحياة قاسية ومريرة.. لهذا فنحن في حاجة إلى أن نتلامس مع الآخرين، ولكن بغير التصاق شديد يفتح أبواب المتاعب.

قانون أو نظام المسافة أو سمها نظرية (لا اقتراب ولا ابتعاد) قانون حياتي رائع جداً، نحتاجها في شؤوننا اليومية وفي علاقاتنا مع الآخرين.

في الكاميرا لو قربت الصورة تقريباً دقيقاً ستظهر الكثير من التشوهات، التي لا نرغبها، ولو أبعدتها بشكل كبير لضاعت التفاصيل، التي تظهر جمال الصورة، لذلك المصور المحترف يتقن قانون المسافات فلا يقرّب الصورة تقريباً كبيراً ولا يبعدها كثيراً، وإنما بين بين.

وفي الشوارع أثناء قيادتنا للسيارة، الاقتراب الكثير من السيارات الأمامية سيعرضك للاصطدام لهذا كان من ذوقيات القيادة ترك مسافة بينك وبين السيارات الأخرى.

وفي علاقاتك مع الغير لا تقترب وتدقق كثيراً في التغيرات، التي أحدثها الزمن على الناس، فمن غير اللائق إذا التقيت بأحد أصدقائك أو أقاربك بعد مدة من الزمن في الإجازات والمناسبات أن تسأله عن نحول جسمه أو تغيرات وجهه، التي خطها الزمن، أو عما سمعته من مصائب تعرض لها، اتركها فلا فائدة في نبشها.

يقول مصطفى محمود: حفظ المسافة في العلاقات الإنسانية مثل حفظ المسافة بين العربات أثناء السير، فهي الوقاية الضرورية من المصادمات المُهلكة.. إدراك المسافة والمحافظة عليها مسألة مُهمة لإبقاء الود والاحترام المتبادل في العلاقاتِ بين الأشخاص، وجميل أن تبقى وسطاً بين الاقتراب والابتعاد، فلا تكن بعيداً حتى لا تُنسى ولا قريباً فتكون ثقيلاً وتُمل، ابقَ معتدلاً بينهما.

قفلة..

قال أبو البندري غفر الله له:

عامل الآخرين كما تحب لنفسك.. فكل مؤذٍ سيؤذى ولو بعد حين!

@alomary2008