د. تركي بن عيد الشرافي

يُعد من الأصول الثابتة أن تصاغ نصوص التجريم والعقاب بأقصى دقة، وبعبارات جليّة، وفي أضيق حدود؛ لضمان أن يكون إنفاذها وتطبيقها مُحكمًا، وفهمها من المخاطبين بأحكامها سهلا، ومن ثم يجب استخدام لغة بسيطة حتى تستعصي على التأويل، واستبعاد التراكيب اللغوية، والعبارات والجمل المُعقدة؛ لأن عمومية العبارات واتساع قوالبها قد يصرفها إلى غير المقصود منها، لذلك يجب أن تكون نصوص التجريم والعقاب حادةً قاطعةً لا يؤذن بتداخل معانيها؛ لكي لا تندح دائرة التجريم والعقاب، وتظل دومًا في إطار الدائرة التي رسمها المنظم؛ كفالة لحقوق الإنسان بالتمتع بالبراءة الأصلية، وصيانة لمبدأ المشروعية الموضوعية؛ ولأن الأصل الإباحة والاستثناء تقيد هذا الأصل، والجريمة أمر شاذ خارج عن المألوف، وهو في الجرائم التقليدية تأباه النفوس السليمة السوية، وفي الجرائم المستحدثة يصادم المصلحة الخاصة والعامة...، مع التأكيد هنا على أن صياغة النصوص في القانون الجنائي الإجرائي لها درجة الأهمية بل تبدو أكثر أهمية من صياغة نصوص القانون الجنائي الموضوعي؛ لمساس تلك النصوص بحريات الأفراد، وفي نفس الوقت حماية حق المجتمع في الوصول إلى الحقيقة في شأن واقعة إجرامية ونسبتها إلى فاعلها؛ فالموازنة فيها أدعى لمصلحتين تبدوان متعارضتين، وهي انعكاس للنظام الإجرائي الجزائي لأية دولة في قياس عدالة تعاملها في اقتضاء حقها في العقاب وتحريك الدعوى الجزائية العامة في مواجهة رعاياها... استجلاءً لحقيقة، واقتضاءً لحق عن طريق سلطاتها في الدعوى الجزائية العامة، وخصوصًا في مراحل الدعوى الجزائية التي فيها مساس وانتقاص للحقوق والحريات...، لذا، فإن مدارس تفسير الجريمة في علم الإجرام، وعلم النفس الجنائي، وعلم الاجتماع الجنائي تؤكد على هذا المنطلق وفق مدخلها...، فليس يسيرًا دخول الإنسان في دائرة الاتهام... أنظر في هذا الصدد نظرية الوصم أو الوسم....