سالم اليامي

الإدارة الأمريكية الجديدة يمكن أن نطلق عليها جديدة من زاوية واحدة، وهي زاوية استلام الرئاسة للولايات المتحدة الأمريكية في مناخ جديد، ومعطيات جديدة. المناخ يتمثل في عودة للديمقراطيين لسدة الحكم، والعودة أيضاً للتعاطي مع الملفات الدولية، التي كانت محور حديث أول خطاب للرئيس بايدن قبل أسابيع، الذي تلمسنا منه أن منطقتنا ضمن المناطق الدولية، التي يتوجه إليها الاهتمام الديمقراطي مجدداً بعد أن كان للديمقراطيين رأي آخر في الموضوع مثله ما عرفت في حينها قبل أكثر من تسع سنوات بعقيدة أوباما، التي فحواها، دعوة دول المنطقة إلى تقاسم النفوذ فيما بينها عن طريق حل المشاكل دون عون من أطراف دولية أخرى، وبخاصة دون تدخل أمريكي.

هذه الإستراتيجية يبدو أنها أصبحت من الماضي، هذا ما يمكن تقريره بناءً على جملة معطيات، أهمها مضمون أول خطاب رئاسي، الذي تناولت فيه الإدارة الجديدة آليات تعاطيها مع المشاكل الدولية الحالية، والمتوقعة. وبني الخطاب على أهم القضايا، التي يمكن أن تشكل عصب السياسة الأمريكية في المنظور القريب، والعلاقات بشكل إستراتيجي مع القوى التقليدية، أي روسيا، والصين، واحتمالات نشوء قوى جديدة، إما سياسية، أو اقتصادية، أو حتى عسكرية. في رأينا، مفيد العودة إلى الحقبة الديمقراطية السابقة للتقرير بأن منطلقاتها السياسية والإستراتيجية هي التي أنتجت طبيعة، أو خلفية الصراع القوي القائم، بل والمحتدم في منطقتنا، والمقصود به النفوذ الإيراني المتزايد في ثلاثة مسارات متوازية، هي القوة النووية، والتفوق الصاروخي الباليستي، والتدخل السافر في شؤون الدول المجاورة، خاصة العربية، وتكوين أذرع إيرانية في أكثر من بلد عربي بغطاء مستنسخ من بنية ما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران.

هذه حقائق أصبح من المسلم بها في المنظور القريب على الأقل. العودة الأمريكية الديمقراطية إلى مقاربة ملفات المنطقة برزت من خلال عنصرين: الأول، الحديث عن حالة عدم الاستقرار في المنطقة والاعتراف بأن هناك فاعلين اثنين سبب هذه الحالة بشكل مباشر وملموس هما: النظام السياسي الثوري الإيراني، ونظام الميليشيا الحوثية في اليمن، التي ينطبق عليها توصيفنا السابق للتابع المحلي للاعب الإقليمي. العجيب أن الجانب الأمريكي يعود إلى هذا الفهم وهو لا يملك في جعبته غير عبارات القلق، والإعراب عن الأسف وتعقد الأوضاع، وأن هناك جهودا يجب أن تبذل وهي بطبيعة الحال جهود ليست سهلة، وقد تكلف المنطقة من أمنها، واستقرارها، ورفاهيتها، وشكل علاقاتها الخارجي المحتمل. العنصر الثاني هو التركيز الأمريكي للإدارة الجديدة على ما يسمونه السياسيين الأمريكان وبعض المحللين السياسيين وجلهم كانوا أصحاب مناصب سياسية في الإدارات السابقة بأولوية وقف الحرب الأهلية في اليمن. المعنى العام لهذا المعطى جميل، وجوهري، وبراق سياسياً، للأمريكان وغيرهم، لكن الجانب الأمريكي في مرحلة التعاطي العملي مع هذا المفهوم يتخلى بطريقة يصعب فهمها على المراقب العادي من عناصر موضوعية تتعلق بعدة أمور أبرزها، أن هناك خصوما لأمريكا في المنطقة، وهم بامتياز خصوم للأمن والاستقرار، وبالتالي إنهاء الحرب، التي تعطى لها أولوية واضحة في الخطاب السياسي الأمريكي الجديد. الشيء الآخر أن هناك قوى إقليمية قدمت وتقدم لخدمة مفهوم إنهاء الحرب خطوات ومبادرات، وجهود ناجحة، إضافة إلى الدعوات المستمرة للحوار والحلول السياسية الشاملة، ومع ذلك لم تثمن أو هكذا يبدو للمراقب هذه الجهود أمريكيا كما ينبغي. بقي أن نقول إن هناك شعورا يتعاظم في المنطقة بأن الإدارة الأمريكية الجديدة تتهيأ ربما لإعداد طبخة أمريكية جديدة تعبر من خلال إحياء ما يسمى بالاتفاق النووي الإيراني، وهذه النقطة تؤثر بشكل واضح في كل مقاربات إدارة بايدن، التي تظهر إلى الآن على الأقل حالة من الارتباك في تحديد أولويات عملها، وفي تحديد أهدافها خاصة فيما يتعلق بالحلفاء والخصوم.

@salemalyami