د. جاسم المطوع

قالت: لا أريد أن أتحجب ولا أرى الحجاب ضروري للمرأة، فأنا أرى الحجاب قضية شخصية وهو لا يناسبني لأنه يقيد حريتي، قلت: ولكنك تلتزمين في أشياء كثيرة تقيد حريتك، فأين الخطأ في ذلك؟ فمثلا قرار منع التدخين في الأماكن المغلقة فيه تقييد لحرية المدخن، وقرار عدم دخول النساء والرجال باللباس البحري في الأسواق التجارية قرار يقيد حريتهم، ولكن مثل هذه القرارات فيها مصلحة كبيرة للآخرين، فليس كل تقييد للحرية غلطا، قالت: وما علاقة ذلك بالحجاب؟ قلت: الحجاب نفس الشيء فأنت ترينه تقييدا للحرية ولكنه فيه فائدة لك وللآخرين، قالت: ولكن أنا أريد أن أتخذ القرار بمفردي ولا أريد أحد أن يلزمني بالحجاب لأني أشعر بأني مسلوبة الإرادة.

قلت: لو عندك طفلة عمرها 4 سنوات وتركتِها تلعب بحديقة منزلك وهي تلبس ملابس خفيفة في يوم كان الجو قليل البرودة، ثم شعرت بأن البرد يشتد والرياح تزداد وموجة صقيع تأتي فهل تخرجين للحديقة وبيدك ملابس إضافية أو معطف لابنتك؟ قالت: نعم، قلت لها: لماذا ؟ قالت: أحميها من البرد القارس حتى لا تمرض، قلت: لو رفضت طفلتك أن تلبس فهل تجبرينها على اللباس؟ قالت: نعم، قلت: ولكنك بهذا الأسلوب تقيدين حريتها وتلزمينها بأوامرك، قالت: لأنها لا تعرف مصلحتها ولا تعرف خطورة البرد والصقيع عندما يأتيها، قلت: حتى لو بكت وصرخت؟ قالت: نعم، قلت: حتى لو هربت منك؟ قالت: نعم أتبعها وأجبرها على اللباس، قلت: وهل تصفين تصرفك معها بالقسوة أم بالرحمة؟ قالت: بل رحمة بها وحب وشفقة لها فألزمها بلبس المعطف حتى لا تتضرر بالبرد القارس.

قلت لها: لو قلت لك بأنك تصادرين حريتها بهذا التصرف وأنت أم قاسية تقهرين ابنتك وتظلمينها بتصرفك وتتدخلين في شؤونها الخاصة فهل كلامي صحيح؟ قالت: لا، قلت لو قلت لك بأنك تمنعينها من التمتع بطفولتها، وتتجاهلين صوتها ورغبتها، وتصادرين ذكاءها وفهمها، قالت: أبدا كلامك غير صحيح وأوصافك خاطئة، ألا تعلم أنه لا يوجد أرحم من الأم بابنتها حتى لو قيدت حريتها.

قلت: وهذا ما نقوله دائما بأن الله تعالى -ولله المثل الأعلى- هو أعلم بمصلحة عباده، وهو أرحم بعباده من رحمة هذه الأم بطفلتها، حين طلب من النساء الحجاب وفرضه عليهن لسلامتهن وحمايتهن فقال: (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين)، فالله تعالى يشرح للمرأة أن الحجاب لأجلها ولمصلحتها فهو -رحمة لها- ولهذا يقول الله في آخر آية الحجاب (وكان الله غفورا رحيما)، فأنت تريدين أن تحمي ابنتك من المرض، والله تعالى يريد أن يحمي المرأة من كل أنواع الأذى، فيحميها من مرضى النفوس المصابين بمرض السعار الجنسي، أو من الإيذاء البدني واللساني، فهل تعلمين أن ثلث النساء بالعالم يتعرضن للتحرش، وعلى الرغم من أن المحجبات ينلن نصيبهن من التحرش والاعتداء إلا أن الحجاب يبقى من أكثر عوامل الوقاية والحماية، كما أن الحجاب يحافظ على معايير الجمال في المجتمع بدلا من الاستعراض الملون في الأسواق والطرقات، لقد تحولت كثير من وجوه النساء في زماننا إلى خرائط بسبب الحقن والشفط، ثم تكتشف المرأة أن كل ما فعلته بشكلها لا يمنع الرجل من الخيانة، أو لا يغري الرجل بالزواج منها، فالحجاب إيمان والتزام، هوية ورسالة، وقاية ومقاومة، ترفع وعزة، طهارة ونقاء، احترام للعقل وضبط للغريزة.

@drjasem