عبدالكريم الفالح

قدم المهندس علي النعيمي في كتابه «من البادية إلى عالم النفط» دروسا للشباب الطامحين وللموظفين الذين يريدون أن يصنعوا مكانة و قيما، ولأصحاب المناصب العليا الذين قد ترمي بهم تصرفاتهم بعد الكرسي إلى المناصب الأقل ومن ثم عالم النسيان.

الكتاب جميل ومشوق روى فيه النعيمي كيف انطلق من راع للغنم ثم مراسل في أرامكو ثم رئيس لها إلى أن وصل إلى وزير للبترول، وما تخلل هذه المراحل من قصص وعقبات ونجاحات ولقاءات مع زعماء العالم وكبار الشخصيات والوزراء فيه.

انتقل من رعي الغنم في الصحراء إلى الالتقاء بصناع القرار في الكرة الأرضية.

أكل لحم الذئب... واجه دبا... غير كثيرا من القرارات وأسعار الذهب الأسود في العالم... أثر في صناعة النفط... كان حازما أمام من كانوا يحاولون التأثير على هذه الصناعة سواء من داخل أوبك أو خارجها.

كان الوطن دائما هاجسه في الكتاب.

سأذكر في المقال كيف أكل لحم الذئب وكيف كانت الانطلاقة من الصحراء حيث يقول في المقدمة: إن «حياة الصحراء القاسية لا تعرف الترف، فالطعام قليل، والماء شحيح، ولا كهرباء تكسر هجير الصيف أو تقي زمهرير الشتاء».

أضاف: «ولدت لأم بدوية عام 1935، وظللت أرتحل معها وعشيرة كبيرة ثماني سنوات نطلب الماء والكلأ. لم أعرف النعل حتى بلغت التاسعة».

ولو حكى لك أحد هذه البداية لما صدقت أن هذا الطفل سيصبح وزيرا للبترول، لكنه الجد والاجتهاد ونكران الذات والصبر والإخلاص.

قال النعيمي: «مازلت أذكر كيف قادتني الصدفة، وأنا ابن الثانية عشرة إلى العمل ساعيا في تلك الشركة الأمريكية الجديدة. لم تكن الصدفة وحدها، بل ربما صرفتنا كذلك بعض المحن التي أصابت أهلي إلى طرق باب ما كان يدعى ببساطة أرامكو، فبقيت داخل أسوارها سبعين عاما».

وأشار إلى أن سرعة البديهة والاجتهاد اللذين تفرضهما غلظة عيشنا لفتت نظر رؤسائي، فمنحت فرصة التعليم في المملكة ثم في لبنان بعدها درست الجيولوجيا في بنسلفانيا وأتبعتها بدراسة الماجستير في جامعة ستانفورد.

أما كيف أكل لحم الذئب فلها قصة غريبة مملوءة بالرعب والذعر، إذ كان كثيرا ما يعود من الرعي بغنمهم البالغة قرابة 150 رأسا مع أخيه غير الشقيق محمد، وقد فقدا من القطيع رأسين أو ثلاثة، فقال له خاله: «يبدو أن الذئب يأكل غنمكم». انطلقا مع خاله لتقفي أثر الذئب حتى وصلوا إلى دحل غائر، والدحل هو حفرة تكون في الأرض ضيقة الأعلى واسعة الأسفل، جمع خاله بعض فروع الشجر، وطلب منهما رصها على مدخل الدحل بينما يتولى هو قتل الذئب، وأمرهم بمراقبة الأغصان، فإن لم تهتز بعد سماعهم لإطلاق النار، فيعني أنه قتل الذئب، وأما إذا اهتزت فيعني أن ذئبا مذعورا هائجا قد خرج لهم، وبعد لحظات مرعبة خرج الخال يجر وراءه الذئب، وقيل لنا فيما بعد إن لحم الذئب يمدنا بالشجاعة، فالتهم النعيمي حصته منه بلا تردد.

الدب الذي واجهه كان خلال إحدى رحلاته لصيد السمك إذ رأى دبا ضخما واقفا على ساقيه، وكان ينظر إليه مباشرة والشرر يقدح من عينيه وما هي إلا لحظة حتى ألقى بعدة صيده وأطلق ساقيه للريح.

ومن ضمن الأحداث التي تدل على فطنته خلال رئاسته لأرامكو أنه لاحظ شراء أحد الأقسام رملا من أمريكا، فتساءل كيف نشتري رملا من هناك وبلادنا مغطاة بالرمال فقالوا له إن الرمل الذي يستوردونه له خصائص معينة لا توجد في رملنا، وعندما وجه بالبحث عن نوعية هذا الرمل وجده في المملكة فتوقفت الشركة عن استيراد الرمل من أمريكا.

الرياضة في حياة النعيمي نهج حياة، ولعلها السبب في نجاحه وصفاء ذهنه وسلامة جسده، فهو يمارسها في أوقات فراغه من المؤتمرات وفي أيامه العادية، ولطالما شاهده الكثيرون يمارس رياضة المشي في سكن أرامكو بالظهران.

@Karimalfaleh