د. شلاش الضبعان يكتب:

ذكر ابن منظور في كتابه «أخبار أبي نواس»: استأذن أبو نواس خلفا الأحمر في نظم الشعر، فقال له:‏ ‏لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة.‏ فغاب عنه مدة وحضر إليه، فقال له:‏ قد حفظتها.‏ فقال له خلف الأحمر: أنشدها.‏ فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له:‏ ‏لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها.‏ ‏فقال له:‏ ‏هذا أمر يصعب علي، فإني قد أتقنت حفظها.‏ فقال له:‏ ‏لا آذن لك إلا أن تنساها.‏ فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدة حتى نسيها. ثم حضر فقال:‏ قد نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط.‏ ‏فقال له خلف:‏ الآن أنظم الشعر!.

الشعر ديوان العرب، ومتعة النفوس، وميدان إثارة الهمم، ولذلك بودي لو جعلت كثيرا من شعراء اليوم يمرون على خلف الأحمر قبل أن يكتبوا بيتا واحدا فضلا عن أن يقدموه بخلفية مؤثرة.

هناك من يعبث بالشعر اليوم، فيصف كلمات ثم يسميها شعرا، بينما هي لا علاقة لها بالشعر إلا القافية وأحيانا الوزن، بينما بينها وبين العمق والمعنى ما بين الذئب ودم ابن يعقوب، ولذلك أصبح اليوم القليل من الشعر هو ما يبقى في الذاكرة، مقارنة بالشعر القديم الذي ما زلنا نحفظ ونكرر أبياته.

والأشد شناعة عندما يكون العبث بالشعر الفصيح، ولذلك أبغض بعض العامة لغتنا الخالدة من سوء ما يقدم باسمها على أنه شعر فصيح.

نحتاج أن نعيد النظر في واقعنا الشعري اليوم، فتتدخل الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة والأندية الأدبية بصورة أكبر حماية للشعر، فإن كانت هناك جهود لحماية المباني والأماكن الأثرية فإن الشعر مساو لها بالأهمية، وذلك بتقديم من يستحق لميدان الشعر، لا من نعرف ونستحي منه، وإبعاد من ينفعه إبعاده قبل غيره.

ونحتاج من المجتمع أن يكون - كأسلافه- ذواقا، فلا يمرر أي شيء ولا يصدر من لا يستحق التصدير.

ونحتاج - وهم من بيدهم الأمر- ممن يسمون أنفسهم شعراء وشاعرات أن يرحمونا ويرحموا أنفسهم وعائلاتهم، ويكفي عبثا بالشعر.

@shlash2020