دنيا الجبر

مما لا شك فيه أن الأحساء بلد الحضارة والعلم، وهي منارة ومقصد لطالبي المعرفة كانت وما زالت جامعة للثقافات، ومقرا لبيوت ينهل أصحابها وقاصدوها منها كل علم، وقد تمكنت من ترسيخ دعائمها لجذب العديد من طلبة العلم والباحثين، وبعد سنوات من التركيز على الجانب الثقافي والفكري أنشأت المؤسسات الثقافية مثل جمعية الثقافة والفنون والنادي الأدبي، والعديد من المراكز الثقافية المتنوعة، وها هي تستثمر أيما استثمار في تعزيز ثقافتها بجملة من المبادرات، التي لم تتوقف. وقد حرصت حكومتنا الرشيدة على المشروع الثقافي، الذي يعكس رؤية 2030، والذي يتطلع دوما إلى إبراز الأحساء كمدينة مؤثرة في رسم المشهد الثقافي والفني والاقتصادي، ليس محليا فحسب، بل وعلى المستويين الإقليمي والدولي، وقد تمكنت من تسجيل نفسها عالميا في اليونسكو، وموسوعة جينيس للأرقام القياسية، فالحياة في الأحساء دائمة الحركة، فهي البلد الذي لا ينام، فالمعارض الفنية والمناسبات الثقافية، والمهرجانات المسرحية، والأمسيات الشعرية والمحاضرات الدينية والعروض السينمائية والمسرحيات الغنائية والأوبرا ومشاريع ترجمة كتب عالمية وأخرى لتشجيع القراءة وعروض للموسيقى الكلاسيكية، وغيرها من الحياة الثقافية الجادة، تكاد عجلتها تسير بنفس السرعة بدون توقف.

ربما كان قدر الأحساء أن تظهر للعالم في هيئة مدينة ثقافية أو سياحية لكن متى نرى الأحساء مدينة اقتصادية تتنازع قمتها ناطحات سحاب ومشاريع مليارية مكملة للمشاريع الثقافية، وهذا ما أتمناه أن تكون الأحساء رافدا اقتصاديا استثماريا، فهي تستحق ذلك وأهلا له فلا بد أن نسخّر مكتساباتها لتكوين طفرة في المال والأعمال وضخها في الجوانب الثقافية والفكرية والاقتصادية؛ لأن كل جانب يستفيد من الآخر ويتغذى عليه ووسط هذا الزخم المعرفي كان لا بد من معادلة الكفة. يقول الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، ممتدحا (لم أذهب للأحساء يوما إلا وأعود بمجموعة من الكتب أو سماع بعض القصائد القديمة أو الجديدة وقراءات جديدة في بيوت العلم والمعرفة وفي مجالس يرتادها الجميع، وهذه من النعم الكبيرة، التي حباها الله للأحساء وأهلها، كما أن الأحساء ليست واحة نخيل فقط، بل هي واحة علم ومعرفة وثقافة، منذ زمن طويل)، ونحن هنا نفخر ونتباهى بما حققته الأحساء وما تسعى لتحقيقه، فالأحساء لا تتمتع بالثراء البيئي، والتراث الطبيعي فقط، بل تتميز بعمق تاريخي وحضاري، حيث تعاقبت عليها حضارات إنسانية عدة، وكانت حلقة وصل إستراتيجية مع العالم، كما تضم العديد من مواقع التراث الوطني، ويعود أقدم تاريخ للاستقرار البشري فيها إلى آلاف السنين، وتعتبر واحة الأحساء أكبر واحة نخيل محاطة بالرمال في العالم. الأحساء أرض أصالة ومنبع للحضارات ومنارة في التاريخ القديم والحديث، فهي تزخر بالمواقع التراثية والآثار، التي تعود لآلاف السنين، مما يستوجب على أبنائها من رجال الأعمال والمستثمرين بشكل عام، المبادرة والعمل على تفعيلها بشكل صحيح، إلى جانب دعم الدولة المتمثل في هيئة السياحة والآثار، التي قدمت للأحساء الكثير من الاهتمام. فالأحساء تحتاج لتكاتف الجميع ودعم من كل الأطراف في القطاعين الخاص والعام، للنهوض بها لمستوى يتناسب معها كمنطقة سياحية من الطراز الأول، ومنطقة اقتصادية ومنطقة علم.

@DoniaJabr