يوسف الحربي

تمخضت الجائحة الطارئة التي يمرّ بها العالم عن تشكيل محور أساسي للفعل الفني، وذلك حسب المتاح والممكن، وبما يتوافق مع دور الفنان من أجل تواصل مع العالم لتقديم رؤى مختلفة، وهو عين ما قدّمه معهد مسك بصالة الأمير فيصل بن فهد للفنون بالرياض، عبر معرض «مكوث»، وقدّم خلاله رؤى الفنانين عبر برنامج المنح، مع طرح دور الفنان في توثيق الأحداث والتعبير وفق المُتاح بطرق وأساليب اخترقت فكرة «المكوث» بالتجريب والتعبير الذي استطاع أن يُعيد تصورات جديدة للحياة، واختلافات مفعّلة كان فيها الوصول للتواصل بحثًا وتجريبًا وانتصارًا للحياة وبها.

فما بين الاعتيادي والمألوف أخرجتنا الجائحة من الحياة الطبيعية بكل أشكالها العصرية، وحوّلتنا إلى انتظارات أو حالات «مكوث»، فرغم انعدام الحركة إلا أنها كانت صاخبة من حيث الفكرة والإحساس والذهن والتجريب والابتكار من أجل التحفيز للفن والإبداع، وإعادة بلورة البناء الفني وفق المتاح والموجود والظروف التي يفرضها العالم، والتي لا يقف عندها الفن.

وقد بدا المعرض في عامه الأول استثنائيًا، ولكنه كان فرصة للتأقلم والنشاط والتعايش الفني الجمالي من خلال العرض الافتراضي، حيث كان فضاء لقاء وبحث وتطوير وطرح إمكانيات جمالية استطاعت توثيق اللحظات التي بدا تأويلها متفرّعًا من المكوث إلى التخيّل بين الذات والإنسانية، اختلف التعبير عنها من فنان إلى آخر.

حاكت الأعمال واقعها، واستفاضت بلغة حملت الكثير من الرمزية التعبيرية والتصميم والنحت والتركيب بتقنيات وخامات مختلفة، وهو ما خلق فيها التنوّع والبحث على مستوى المفهوم والتعبير وفقه بين التشابه الحسي والتجاذب التعبيري، كان للأعمال صدى وانعكاس فيما بينها، جسّد مدى التطوير الفني الذي يخدم الفنون البصرية في السعودية من خلال برامج، واحتواء طاقات قادرة على خلق المفاجأة الجمالية، والتعامل مع الفكرة والحالة والظرفية بتصورات مختلفة لا تقف عند الحدث، بل تستشرف انفعالاته وتحرّكه وفق منطق حُر التأملات، وهو ما كثّف ضرورة العمل والاستمرار والتجسيد المتكامل لمثل هذه البرامج.

yousifalharbi@