ترجمة: إسلام فرج

تزعزع استقرار البوسنة

انتقدت مجلة «ناشيونال انترست» الأمريكية المطالب التي تتردد بمراجعة جذرية لاتفاق دايتون التي أنهت حرب البوسنة في 1995.

وبحسب مقال لـ «روبرت هايدن»، أستاذ الأنثروبولوجيا والقانون والشؤون العامة والدولية في جامعة بيتسبرغ، فإن الدعوات التي تزامنت مع الذكرى الـ 25 للاتفاقية، تتجاهل أنها هي التي حافظت على السلام طوال ربع قرن.

وتابع يقول: الأمر الغريب أنه على الرغم من الاعتراف العام بأن الاتفاقية حافظت على السلام، فإن ثمة توصيات ودعوات تدعو إلى «مراجعة دايتون» جذريًا، على أساس أن مؤسسات البوسنة مرهقة للغاية، وعرضة للفساد وغير عادلة سياسيًا للأقليات.

وأردف يقول: الأمر الأكثر غرابة هو أنه تم تقديم العديد من المقترحات لمعالجة هذه المشاكل من خلال تفكيك الهياكل التي جلبت السلام وحافظت عليه.

فرض الدولة

ومضى الكاتب يقول: بدلاً من ذلك، من المفترض أن تفرض قوات حلف شمال الأطلنطي (ناتو) على الكروات والصرب في البوسنة، الذين يبلغ عددهم نصف السكان والأغلبية في 60 % من أراضيها، الدولة المركزية التي ذهبوا إلى الحرب لمنعها.

وبحسب الكاتب، نظرًا لعدم وجود مؤشرات على أن العديد من الكروات والصرب سيقبلون هذا، فمن المحتمل أن ينظروا إلى قوات الناتو على أنها قوة احتلال، وهو دور لم ينجح بشكل جيد في أفغانستان أو العراق.

وأشار إلى أن دستور البوسنة والهرسك الذي تم تضمينه في الملحق 4 لاتفاقية دايتون معقد بالتأكيد، وأردف: تم تقسيم البلاد إلى أقاليم فرعية، يهيمن عليها جميعًا تقريبًا واحد فقط من المجتمعات العرقية القومية الرئيسية الثلاثة في البلاد: البوشناق (المعروفون حتى عام 1993 باسم المسلمين) والكروات والصرب.

وأضاف: ترتبط هذه الأنظمة السياسية العرقية في هيكل كونفدرالي يمنح سلطة قليلة جدًا للحكومة المركزية، وحتى تلك السلطة مشروطة بإجماع نادر من ممثلي الطوائف الثلاث، وتابع: تتوزع جميع السلطات الحكومية تقريبًا على مستويات الكيانات الإثنية الإقليمية، أحدها صربي والآخر بوسني وكرواتي، ويندرج تحت الأخير 10 كانتونات، 5 بوسنيين و3 كروات و2 مختلطان.

ومضى يقول: مع ذلك، كان إضفاء الطابع الدستوري على الفصل العرقي الإقليمي لهذه المجتمعات الثلاثة هو المفتاح ليس فقط لإنهاء الحرب، ولكن أيضًا لحفظ السلام.

وأردف يقول: كان عام 2020 أيضًا الذكرى السنوية الثلاثين للانتخابات الحرة والنزيهة في نهاية الشيوعية، عندما قسم سكان البوسنة والهرسك أنفسهم إلى 3 دوائر انتخابية متعارضة، البوسنية والكرواتية والصربية، حيث فاز حزب واحد من كل منها بجميع أصوات الطائفة تقريبًا، بينما كان أداء أولئك الذين يعدون بديمقراطية اجتماعية من مواطنين متساوين ضعيفًا للغاية.

تشكيل مشترك

ومضى يقول: بما أن البوشناق يشكلون 43 % من السكان، والصرب 34 % والكروات 17 %، فإن تشكيل دولة مشتركة لم يكن ممكناً إلا إذا وافق أعضاء هذه المجتمعات على ذلك.

وأردف: بشكل مأساوي، ولكن ليس من المستغرب، أنهم لم يفعلوا ذلك، فبينما أراد البوشناق حكومة مركزية قوية، خاض الكروات والصرب الحرب من أجل تجنب فرض مثل هذه الدولة المركزية عليهم، لقد قبلوا التضمين في البوسنة والهرسك في دايتون فقط لأن الحكومة المركزية ستكون ذات سلطة قليلة جدًا عليهم.

وتابع: يجادل النقاد بأن نظام تقاسم السلطة العرقية الإقليمية هذا غير ديمقراطي لأنه يمنع المواطنين من تشكيل أغلبية غير عرقية ويجعل من المستحيل على أعضاء الأقليات الترشح لبعض المناصب، وأردف يقول: كما يجادلون بأن النخب العرقية القومية الفاسدة تستغل ضعف الدولة المركزية من أجل إثراء نفسها، كما أكدوا أن سهولة عرقلة الإجماع تمنع الحكومة المركزية من اتخاذ القرارات التي يفترض أنها ضرورية، ولا سيما الانضمام إلى الناتو.

وأضاف: مع ذلك، فإن مشاكل البوسنة العديدة لا ترجع إلى دستور دايتون، أو إلى عدم انضمامها إلى الناتو.

وأردف يقول: في مؤشر مدركات الفساد لعام 2109 لمنظمة الشفافية الدولية، سجلت البوسنة والهرسك نتائج أفضل من عضوي الناتو ألبانيا ومقدونيا، وأسوأ قليلاً من تركيا العضو المؤسس لحلف شمال الأطلنطي وصربيا، وأفضل بكثير من العراق وأفغانستان، حيث أدى الاحتلال الأمريكي طويل الأمد إلى دول أقل قابلية للحياة من البوسنة والهرسك.

نظام «دايتون»

وتابع: لا يوجد لدى أي من هذه البلدان الأخرى نظام «دايتون»، على الرغم من أنه ربما كان أداء العراق أفضل لو تم تنفيذ اقتراح جو بايدن في عام 2006، عندما كان سيناتور بالكونغرس، باستخدام دايتون كنموذج لإعادة هيكلته.

وأضاف: نادرًا ما يتم العثور على هؤلاء المواطنين المناهضين للقومية، الذين حرمهم اتفاق «دايتون»، في تعداد عام 2013، أعلن ما يقرب من 97 % من السكان أنفسهم بوسنيين أو كرواتيين أو صربا. أعلن 1 % فقط أنهم «بوسنيون» محايدون عرقيًا وقوميًا. وبالتالي، فإن الفئات الإثنية القومية الثلاث المتعارضة تعكس بدقة الانقسامات الاجتماعية للمجتمع.

وأشار إلى أن الحرب التي انتهت في دايتون خاضتها 3 جيوش عرقية ودينية وثلاث دول مختلفة هي: جيش البوسنة والهرسك ذي الأغلبية المسلمة لكل البوسنة، بما في ذلك تلك الأماكن التي بها عدد قليل من المسلمين، وكذلك جيش جمهورية صربسكا من أجل أرض الآباء الصربية المكونة من أجزاء فقط من البوسنة والهرسك، ومجلس الدفاع الكرواتي للوطن الكرواتي الذي شمل أجزاء أخرى فقط من البوسنة والهرسك.

ومضى الكاتب يقول: اتبعت الانقسامات الإقليمية في دايتون بشكل أساسي الخطوط الأمامية بين هذه القوات، وحذر من أن أية مقترحات تستهدف إلغاء الاتفاق وفرض حكومة مركزية على الكروات والصرب، لن يكون لها معنى سوى زعزعة استقرار البوسنة.

واختتم بقوله: حال البوسنة ليس بسبب دايتون، لكن دايتون كان معبرا عن حال وطبيعة المجتمع البوسني.