د. شلاش الضبعان

ذكر ياقوت الحموي في معجم الأدباء: ركب يحيى بن خالد البرمكي يومًا مع هارون الرشيد، فرأى الرشيد في طريقه أحمالًا، فسأل عنها، فقيل له: هذه هدايا خراسان بعث بها إليك وإليها علي بن عيسى ماهان، وكان ابن ماهان وليّها بعد الفضل بن يحيى البرمكي، فقال الرشيد ليحيى: أين كانت هذه الأحمال في ولاية ابنك؟!

فقال يحيى: كانت في بيوت أصحابها. فأفحم الرشيد وسكت.

بعض المديرين ما دام على رأس العمل فهو أكرم الكرماء، يوزع الهدايا يمينًا ويسارًا، وظائف، إعانات، وما إن يتقاعد أو يترك المنصب حتى تتوقف العطايا، وربما أصبح المعطي متلقيًا!

ما المشكلة في عطايا السيد المدير؟ فالمرحلة مؤقتة، والأقربون أولى بالمعروف، ومَن لم يكن فيه خيرٌ لرَبعه فلا خير فيه للآخرين!

لا مشكلة في أن الأقربين أولى بالمعروف، والخير للرَّبع بر وصلة، ولكن إذا كانت هذه العطايا والهبات من مال المدير الخاص، أما إن كانت من المال العام، فهذه ليست مشكلة بل جريمة؛ لأن الكل شريك في هذا المال الذي خَصّ به المدير نفسه وأقاربه، وسيحاسبه غير الأقارب وما أكثرهم، في وقتٍ عصيب، عن كل ريال أخذه أو دفعه من حقوقهم بدون إذنهم، كما ستحاسبه الجموع عن كل وظيفة أعطاها لمَن لا يستحق على حساب مَن يستحق.

ولذلك لا غرابة في أن يشتكي بعض المديرين بعد تقاعدهم من النكران، فما بُني على باطل ستكون عاقبته الانهيار، ومَن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس.

يجب التدقيق في عطايا المدير؛ لأنها إذا كانت بغير حق فهي وباء في الحاضر، ودمار في المستقبل، حتى أصبحنا لا نذهب إلى أي مؤسسة حتى نضمن أن هناك مَن يعرفنا فيها، طيّب ومَن لا يعرفه أحد، أو لا يوجد له قريب، ماذا سيكون مصيره؟!

راجعتُ قبل فترة إدارة حكومية، وقوبلت بأسلوب غير مناسب، وبعد أخذ وردّ، قال أحدهم: آسف لم نعرفك!

ولذلك لا نملك أن نقول إلا: شكرًا لنزاهة على ما تبذله من جهود في تحجيم الفساد، فدورهم مهم ليس لنا فقط، بل لنا ولأجيالنا القادمة، فردع الفساد والمفسدين مطلب.

@shlash2020