حسام أبو العلا - القاهرة

فشل مغامرات تركيا العسكرية والسياسية الداخلية

يسعى نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال المغامرات العسكرية لترميم التصدع في السياسة الداخلية، ويتدخل الجيش التركي في 12 دولة ويقيم قواعد في آسيا وأفريقيا، كما ينخرط في أزمات المنطقة ويدعم ويمول جماعات الإرهاب. وستنشر أنقرة قريبا قوة حفظ سلام في منطقة ناجورنو كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز.

وتحرس البحرية التركية عمليات التنقيب عن النفط والغاز المثيرة للجدل في شرق البحر المتوسط، رغم الاحتجاجات المدوية من جانب الاتحاد الأوروبي وخطر الاشتباكات مع القوات اليونانية والقبرصية والفرنسية في المنطقة.

قال مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سونر جاجابتاي: لم يبدأ أردوغان الحروب المنخرط فيها حاليا، لكنه يوائم غريزة البقاء لديه مع مخاوف تركيا الأمنية القومية الأوسع نطاقا.

وبالرغم من كل مواقفه الخارجية المشاكسة، فإن قوة أردوغان تتوازن على قاعدة دعم محلية تعاني حاليا من فقدان الوظائف وتراجع القوة الشرائية لليرة وارتفاع التضخم.

ويرى محللون أن هذا الاعتماد على الاستقرار الاقتصادي هو نقطة ضعف أردوغان، على الأقل في عام سيطرت عليه جائحة عالمية مدمرة وما لها من تداعيات اقتصادية. وفقدت الليرة التركية أكثر من 30 % من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي منذ بداية عام 2020.

قال الخبير الاقتصادي سيف الدين جروسل، إن تركيا ربما لا تواجه انهيارا اقتصاديا كاملا حتى الآن، لكنها ربما تعاني انخفاض النمو وارتفاع البطالة لبعض الوقت مستقبلا.

وبجانب الهشاشة الاقتصادية، ثمة تهديد رئيسي آخر لمغامرات أردوغان العسكرية وهو اعتماد تركيا على أسلحة صنعتها الولايات المتحدة وألمانيا، حليفتا أنقرة الغربيتان التقليديتان.

وقال مصدر دفاعي لوكالة الأنباء الألمانية إن سرب القوات الجوية القتالي التركي بأكمله إما من صنع الولايات المتحدة أو يطير بقطع إمداد أمريكية. وفي الوقت نفسه، فإن أكثر من نصف سلاح الدبابات ونصف الأسطول القتالي للبحرية من صنع الولايات المتحدة، والباقي مصدره ألمانيا.

وقال الخبير الدفاعي هاكان كيليتش، إن الطائرات التركية بدون طيار من طراز «بيرقدار تي بي 2» جذبت الانتباه العالمي هذا العام لحملاتها في سوريا وليبيا وناجورنو كاراباخ.

ويقدر كيليتش أن تكلفة الطائرة الواحدة (تي بي 2) التي تستطيع التحليق لمدة 27 ساعة، هي نحو سبعة ملايين دولار. وهي أرخص بعشر مرات من مقاتلة حديثة (إف - 16) التي يمكنها التحليق في الجو لمدة ثلاث ساعات فقط.

ورغم أن العقوبات الأمريكية الأخيرة بموجب «قانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات» لعام 2017 ردا على شراء تركيا أنظمة الدفاع الجوي الروسية (إس 400)، تعتبر خفيفة نسبيا، فإنها ما زالت هي الأسوأ بالنسبة لطموحات أردوغان العسكرية.

ووجهت الولايات المتحدة بالفعل صفعة لقدرات البلاد القتالية الجوية المستقبلية، حيث علقت مشاركة أنقرة في برنامج الإنتاج المشترك لمقاتلات (إف 35)، وهي خطوة يقول كيليتش إنها ستكلف 10 متعاقدين أتراك حوالي 12 مليار دولار.

لكن هناك بصيص أمل يلوح في الأفق بالنسبة لمغامرات أردوغان العسكرية، يتمثل في الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي من المرجح أن يدعم تركيا في سوريا وليبيا بينما يشجع جهود السلام في جنوب القوقاز.

ويقول المحلل جاجابتاي المقيم في الولايات المتحدة: أعتقد أن الجيش الأمريكي يحب حقيقة أن تركيا منعت هذه الدول من الوقوع تحت السيطرة الروسية في الغالب.

ويضيف إنه بالمثل، فإن «علاقة أردوغان المستدامة» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، توفر له مجالا للمناورة في مناطق الصراع الرئيسية، رغم تحذير من أن الاعتماد على روسيا قد يكون بمثابة عائق على المدى المتوسط.

وقد تعني هذه الرؤية المستقبلية الماكرة، إلى جانب تحول في القيادة الأمريكية العالمية، أن أردوغان في وضع يسمح له بمواصلة مغامراته العسكرية لبعض الوقت في المستقبل.

أطماع عائلية

فضح اتفاق التعاون الدفاعي بين تركيا وحكومة الوفاق الموقع في أغسطس 2020 في طرابلس عن أبعاد المؤامرة الكبرى لنهب ثروات الشعب الليبي والسيطرة على مقدراته الوطنية ونفطه وغازه، فقد كشفت التقارير الأوروبية عن أن سيطرة تركيا على ثروات ليبيا النفطية والغازية برا وبحرا كانت هي الباعث الأول والأخير للتحركات السياسية والعسكرية التركية تجاه ليبيا منذ انطلاق ما يسمى «بحراك الربيع الديمقراطي في ليبيا» والذي لم يكن سوى ستار لتنفيذ مخطط متكامل لنهب الثروات وإفقار الليبيين الذين انتبهوا لتلك المؤامرة الشريرة لتركيا وأعوانها للسيطرة على الهلال النفطي في شرق ليبيا.

وتشكل السيطرة على ثروات ليبيا النفطية والغازية هدفا رئيسيا لسياسة أردوغان كمخطط «عائلي بامتياز»، حيث أسند الرئيس التركي تلك المهمة إلى عدد من المقربين منه في مقدمتهم صهراه سلجوق البيرق رئيس مؤسسة التصنيع العسكري التركية، وأخوه بيرات البيرق الذي يشغل في ذات الوقت وزير الخزانة والمالية في تركيا، ويعد لاعبا رئيسا في قطاع الطاقة بتركيا بحكم سابق عمله كوزير للطاقة في حكومة أردوغان.

ويعد بيرات البيرق الذراع اليمنى لتنفيذ المشروع التركي في ليبيا، حيث قام في السابع عشر من يونيو 2020 - قبل استقالته من منصبه بعدة أشهر- بأولى زياراته لطرابلس برفقة حقان فيدان مدير جهاز الاستخبارات التركي ووزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو وإبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية وسيفير توران كبير مستشاري أردوغان.

تقرير أوروبي

وجاء في تقرير أوروبي أن بيرات البيرق، الذي استقال من منصب وزير المالية بعد فشله في وقف نزيف الليرة التركية قبل شهر تقريبا، هو في الأساس رجل طاقة وأعمال وكان يتولى إدارة مؤسسة Çalık Holding التركية القابضة، وهي مؤسسة خاصة مملوكة لوالده صديق أردوغان وتعمل في مشروعات الطاقة والمنسوجات والتشييد والبناء، و«تأسست تلك الشركة القابضة في عام 1998 وأدارت مشروعات نفطية عديدة في وسط آسيا وأفريقيا والبلقان والشرق الأوسط، ولم يكن غريبا أن يعين أردوغان صهره بيرات البيرق وزيرا للطاقة في تركيا عام 2015 بعد حصوله على عضوية البرلمان التركي بأيام قليلة عن حزب العدالة والتنمية.

وفي عام 2017 كشفت معلومات عن تعاملات مشبوهه لصهر أردوغان بيرات البيرق الذي ظل مديرا في الخفاء لمؤسسة Çalık Holding وقيامه بتسجيل حسابات «أوفشور» زائفه في مالطا والسويد بهدف التهرب من سداد الضرائب المستحقة على المؤسسة للخزانة العامة التركية، وفي خضم أزمة توتر العلاقات التركية الروسية بعد إسقاط تركيا لطائرة عسكرية روسية في أجواء سوريا نوفمبر 2015 اتهمت موسكو البيرق بالقيام بعمليات تهريب سرية للنفط عبر سوريا تتم لحساب تنظيمات إرهابية.

صهر أردوغان

ويعد سلجوق البيرق صهر أردوغان الثاني المتزوج في عام 2016 من كريمة أردوغان الصغرى وشقيق بيرات البيرق، الذراع الثاني لتنفيذ مخطط أردوغان للسيطرة على ليبيا، ويعمل سلجوق مديرا تنفيذيا لإحدى شركات الهندسة الدفاعية الجوية في تركيا، وهي الشركة التي أنتجت أول طائرة قتال تركية مسيرة وهي طائرة «البيرقدار» وتم تزويد قوات طرابلس بها في مواجهاتهم مع قوات حفتر -آنذاك- صوب طرابلس، وقد وصف مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا غسان سلامة الدور الذي لعبته طائرات «البيرقدار» التركية في الصراع الليبي بأنه «أكبر معركة للطائرات المسيرة يشهدها العالم منذ ظهور هذا النوع من الطائرات في أجواء مناطق العالم الساخنة».

ومنذ عام 2016 برز صهر أردوغان سلجوق البيرق كشخصية مهمة في عالم الصناعات الدفاعية التركية، وبدا كقوة مؤثرة في سياسات تركيا الخارجية، وبخاصة أطماعها في ليبيا، وقد تعاظم نفوذ سلجوق البيرق بعد أن كافأه أردوغان بتعيينه رئيسا لهيئة التصنيع العسكري التركية فصار بذلك من مراكز القوى وأصحاب الكلمة النافذة في القصر الرئاسي التركي، وفي تحديد مجريات الأمور العامة وهو ما تصفه المعارضة التركية بـ «حكم العائلة».

وإلى جانب صهريه.. عين أردوغان أحد المقربين منه وهو عمرالله ايسلر مبعوثا عنه وممثلا له في طرابلس وذلك منذ عام 2014 ويعد ايسلر عضوا مخضرما في البرلمان التركي وقياديا في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وسبق أن عينه أردوغان نائبا له إبان شغله منصب رئيس الوزراء.