فهد سعدون الخالدي

عرفت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها بحرصها على وحدة الصف والكلمة في العالمين العربي والإسلامي، لا سيما أنها تمثل أنموذجًا وحدويًا قل نظيره تاريخيًا في المنطقة والعالم، وعلى صعيد منطقة الخليج ومنذ الفترة، التي سبقت قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية قبل واحد وأربعين عامًا كانت المملكة الأولى بين الدعاة لوحدة الصف الخليجي؛ يؤكد ذلك ما عرفت به من مواقف راسخة لتحقيق وحدة دول المنطقة والمحافظة على مصالحها، وقد أثبتت مواقفها المعهودة منذ قيام المجلس حرصها على وحدة الصف الخليجي من منطلق روابط الإخوة والدين والمصير المشترك؛ فكانت سياستها دائمًا وعلى مدى عمر هذا المجلس تستند إلى ما تشكّله من عمق إستراتيجي، وثقل عربي وإسلامي، وقد اتخذت المملكة منذ تأسيس «مجلس التعاون» عام 1982م نهجًا متوازنًا يشارك في كل جهد، ويدعم كل المساعي الهادفة لتحقيق الغايات والتطلعات المشتركة لشعوب دوله بما يليق ويتناسب مع كونها الشقيقة الكبرى لدول هذه المنظومة. وانطلاقًا من إدراك قيادتها لمسؤولياتها في العمل على تجاوز مختلف العقبات، التي قد تواجه مسيرة العمل من مستجدات أو خلافات في وجهات النظر، حرصت بلادنا على مدى سنوات طويلة من مسيرة المجلس على المحافظة على وحدة الصف الخليجي، ودعوة الدول الأعضاء للوصول للتسويات ووضع حلول ناجعة للخلافات داخل البيت الخليجي الواحد، وعلى توثيق التعاون بين دول المجلس وسائر الدول العربية والإسلامية وغيرها من الدول الصديقة في العالم، كما عملت على تحقيق وحدة مواقف دول الخليج تجاه القضايا الإقليمية وقضايا المنطقة والعالم، وعلى فعل كل ما من شأنه تقوية الأواصر وتوثيق الصلات بين دول المجلس، والتعاون في جميع المجالات الأمنية والسياسية والدفاعية والاقتصادية، وتسهيل إجراءات العمل والتنقل للمواطنين، وتوحيد كل الأنظمة والتعليمات وصولاً إلى وحدة المواقف والتكامل في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها، وحشد طاقات دول المجلس لتحقيق المصالح المشتركة، وحشد قدراتها، والتخطيط المشترك لتحقيق هذه المصالح. وقد جسد قادة المملكة العربية السعودية في مختلف المراحل هذه المواقف الثابتة من خلال عملهم بكل إخلاص مع إخوانهم قادة دول مجلس التعاون وحرصهم على بذل كل جهد ممكن لدعم مسيرة هذه المنظومة، والتزام المملكة بتنفيذ كل ما اتخذ في دورات ومؤتمرات القمة، والمؤتمرات الوزارية من قرارات لتعزيز الروابط بين دوله، ورسم الإستراتيجيات، وتحديد أسس مشتركة وموحدة لبناء العلاقات مع الدول والأطراف الأخرى غير الأعضاء، ومعالجة العقبات التي تواجهها دول المجلس مع غيرها من الدول بمواقف موحدة وثابتة. والمواقف السعودية مع دول المجلس، التي تعددت صورها يتضح منها دائمًا لكل منصف أن هدفها الأسمى هو وحدة صف دوله، والمحافظة على أمنها ومصالح شعوبها، وقد أتت هذه السياسة والمواقف الموحدة لدول المجلس وفي طليعتها المملكة أكلها وأثبتت نجاحها من خلال الموقف الموحد، الذي اتخذته تجاه العدوان العراقي على دولة الكويت الشقيقة، مما شجع المملكة على تقديم مقترح لدورة المجلس الثانية والثلاثين، التي استضافتها الرياض في 24- 25 محرم 1433هـ، بشأن الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد وهو المقترح، الذي تبناه المجلس إيمانًا من قادة دوله بأهميته واستجابته لتطلعات وآمال شعوب المنطقة.. على أية حال، فإن تعداد مواقف المملكة وأعمالها لتعزيز مكانة المجلس والمحافظة على أمن دوله ومصالحها يصعب حصرها وإحصاؤها، وهي مازالت تتابع وتتواصل يومًا بعد يوم، لأنها تنبع من سياسة ومبادئ ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ولا تعصف بها المواقف المؤقتة والأحوال الطارئة، التي ما تلبث أن تتغلب عليها الحقائق التي تظل ساطعة كالشمس في وضح النهار، وستظل المملكة -بإذن الله- ثم بما لها من مكانة إقليمية ودولية وأهمية إستراتيجية واقتصادية وسياسية ملتزمة بدورها في المحافظة على وحدة دول مجلس التعاون وتعزيز هذه الوحدة، وبحماية أمنها، وضمان مستقبل أبنائها، والمحافظة على ما تم تحقيقه من مكتسبات وإنجازات، والمضي قدمًا لتحقيق الأهداف، التي نص عليها النظام الأساسي لمجلس التعاون، والآمال معقودة -إن شاء الله- على القمة القادمة لدول المجلس، التي تعقد في الرياض خلال الشهر القادم -بإذن الله- لتوحيد صف دول المجلس ومواقفها والتزامها جميعًا بوحدته والعمل على تعزيز هذه الوحدة وتحقيق الأهداف السامية، التي أنشئ من أجلها.. والله ولي التوفيق.

Fahad_otaish@